بقلم : فاروق جويدة
لا إبداع بلا حرية، ولا حرية بلا كرامة، وكل الأشياء فى الحياة لها وجهان بين الضوء والظلال. هناك إبداع كاذب، وهناك حرية مزيفة، وهناك أيضا من يرقصون على الحبال ويجيدون اللعبة فى أسواق المزايدات. وإذا كانت الحرية ضرورة من ثوابت الإبداع، فهناك إبداع كاذب يعيش على حرية مزيفة. وفى سلوكيات ومواقف البشر تجد وجوها متقلبة تلعب هنا وهناك، إنها تدعى العدل مع الظلم، وتدعى التلوث، وتبدى الطاعة أمام القوة. وفى كل هذه الأشياء تغيب الكرامة، والشيء المؤكد أن الكرامة ترفض الزيف ولا تمارس الكذب. فإذا غابت الحرية وسقط الإبداع انسحبت الكرامة. فى مجتمعات كثيرة لا تعنى الكرامة شيئا، إنها إحساسٌ هلامى لا يشعر به إلا أنواع قليلة من البشر. إن الأزمة الحقيقية أن تفقد هذه المسلّمات وجودها، وتتحول إلى أبواق تغيّر مواقفها وتستبدل انتماءها، وتصبح سلعة فى مزاد رخيص، لأن الإبداع الكاذب أرخص ما يُباع فى المزاد، والحرية الضالة والمضللة تزييفٌ للواقع، والكرامة التى يحلم بها الشرفاء غير ما اعتاد عليه المزيفون. وفى حياة يصبح الإنسان فيها بوقا يجيد كل هذه الأشياء، يختفى الإبداع وتنسحب الحرية وتصبح الكرامة ضيفا غير مرغوب فيه، وعليك أن تختار: أن تكون مع الشرفاء أو تكون إبداعا كاذبا أو حرية مزيفة، أو أن تجلس وحيدا تنتظر ضيفا لا يجىء.
فى زمن انقلبت فيه الموازين واختلت الحسابات، وحاصرتك الأبواق من كل الجهات، حاول أن تبتعد قليلا حتى لاتصبح بوقا من أبواق الحرية أو الإبداع، وتجلس وحيدا على أطلال الكرامة.. لا أدرى، هناك علاقة غريبة بين ثلاثية الحرية والإبداع والكرامة.. حين تغيب الحرية يختفى الإبداع وتنسحب الكرامة وتفقد الأشياء كل ما فيها من مصادر الجمال والمتعة..