بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
تأثُر الأدب بالواقع المحيط بالأديب قد يغنى عمله ويثريه, وقد يفقره ويُملقه وربما يُفلسه أيضًا. تختلف النظرة إلى الأدب الواقعي، فيراه البعض غايةً فى الإبداع، فيما يعتبره بعض آخر غير مُبدع. ومن أشهر الأدباء الذين اختلفت نظرة القراء، وبالطبع النقاد، إلى أعمالهم الأديب الإنجليزى الكبير تشارلز ديكنز الذى تحل هذه الأيام الذكرى الخامسة والخمسون بعد المائة لرحيله عام 1870. وديكنز، لمن يعرفه، هو صاحب روايات «قصة مدينتين»، و«أليفر تويست»، و«أوقات عصيبة»، و«المنزل الكئيب»، و«آمال عظيمة» وغيرها. ونجد فى معظم رواياته هذه، وغيرها، أثر الواقع الاجتماعى فى المرحلة التى كتب فيها. كانت مرحلة صعبة فى أوروبا عمومًا، وانجلترا خصوصًا، مع توسع نطاق الثورة الصناعية الأولى وازدياد التفاوت الطبقى وتنامى معاناة العمال. كما تأثر فى بعض أعماله بالاحتجاجات الاجتماعية ضد الطبقة البورجوازية التى كانت صاعدة فى تلك المرحلة على حساب الأرستقراطيات القديمة. وفى رواية «أوقات عصيبة» التى نُشرت عام 1854 أثر قوى وواضح للانتفاضات العمالية والطلابية التى شهدتها دول أوروبا عدة عام 1848، وبلغت ذروتها فى فرنسا، إذ ترتب عليها إلغاء النظام الملكى للمرة الثانية خلال أقل من نصف قرن، وتأسيس الجمهورية الثانية التى لم تستمر طويلاً مثلها فى ذلك مثل الجمهورية الأولي. ألهمت الانتفاضة الفرنسية، وغيرها فى الغرب، أدباء ومثقفين كُثُر كان أهمهم، إلى جانب ديكنز، كل من الفرنسيين جورج صاغر وفيكتور هوجو، والأمريكى واشنطن إيرفنج. ولعل أهم ما يجمع أعمالهم نزعة التشاؤم التى خيمت على نظرتهم إلى المستقبل نتيجة إخفاق الانتفاضات التى ألهمتهم فى تحقيق تغيير إلى الأفضل. وتعبر رواية «أوقات عصيبة» عن هذه النزعة التشاؤمية من خلال شخصياتها الأساسية، سواء شخصية العامل بلاكبولي، أو البورجوازى رجل الأعمال والمصرفى باوندرباي، أومدير المدرسة جراد جريند. وقد أثنى معظم النقاد على الطريقة التى رسم بها ديكنز هذه الشخصيات وأسلوبه فى تتبع مسار كل منها، ليعبر فى النهاية عن حالة مجتمع فى فترة كان وصفه لها بأنها عصيبة صحيحًا ودقيقًا.