بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
رغم أهمية احترام المجال الخاص لكل إنسان، لابد من إدراك أنه لا يعيش وحده بل مع آخرين فى مجتمع يُفرض عليه فيه واجبات مثلما يتمتع بحقوق. ولكن الملاحظ فى كثير من الأدبيات الغربية عن مبدأ الفردية أن إدراك أهمية العلاقة بين الفرد والمجتمع لا يرقى إلى مستوى العناية بحقوق الفرد وحرياته.
هذه خلاصة تعليق د. على عبد الظاهر على اجتهاد «الفردية والأنانية». وهو محق فى تعليقه، فهناك بالفعل ما يمكن اعتباره إغراقًا فى الفردية يؤدى إلى ما يمكن تسميتها فردية مفرطة تعطى انطباعًا فى بعض الحالات بوجود انفصال بين الفرد والمجتمع. ولذلك عمد بعض المؤمنين بمبدأ الفردية دون إفراط إلى صياغة رؤية متوازنة للعلاقة بين الفرد والمجتمع، وطرحوا فى هذا المجال أفكارًا ربما يجوز أن نعتبرها تعبيرًا عن فردية معتدلة. ويمكن الإشارة على سبيل المثال إلى المفكر الأمريكى جون ديوى (1859-1952). فقد دعا إلى تجاوز الرؤى التى قد تكرس انفصالاً رآه زائفًا بين الفرد والمجتمع، وتشجيع الفرد على أن يرى نفسه غاية فى ذاته وعضوًا فى مجتمع فى آن معًا، وتدعيم الاتجاه إلى الجمع بين الفردية والقابلية للحياة الاجتماعية Sociability.
والملاحظ أن أفكار ديوى بشأن الفرد والمجتمع كانت نتيجة تراكم أسهم فيه مفكرون سبقوه مثل جون ستيوارت ميل، وتوماس جرين، وبيرنارد بوسانكين، وجيرالد جوز وغيرهم. فقد تبنى هؤلاء، بأشكال مختلفة ودرجات متباينة، فكرة التصالح والتفاعل الخلاَّق بين الفرد والمجتمع فى إطار مفهوم الإنسان الفردى-الاجتماعى. وكان لطروحات ستيوارت ميل أثر قوى وواضح فى ذلك التطور. فقد وقف وقفةً فكرية-اجتماعية مع مبدأ الفردية. وكان هو من بدأ فى مراجعة هذا المبدأ انطلاقًا من فكرة تبدو بسيطة الآن، وهى أن الفرد يتعين عليه أن يبقى حجر الزاوية فى المجتمع، ولكن دون أن يؤدى ذلك إلى تشجيع فردية أنانية لا تسعى إلا إلى المصلحة الذاتية. ورأى أن مبدأ الفردية لا يستقيم إلا إذا أدى إلى فردية إيجابية، وليست فردية سلبية غارقة فى المصلحة الخاصة بأضيق معنى لها.