بقلم : عبد اللطيف المناوي
فى خطوة أثارت ضجة واسعة لدى كل من علم، نشرت وزارة الخارجية السورية، عبر حسابها الرسمى على منصة «إكس»، خريطة للدولة تُظهر خلوّها من هضبة الجولان المحتلة. المنشور نشر احتفالًا برفع قانون قيصر عن سوريا، وبدم بارد توثيق تنازل عن أرض عربية.
الجولان.. تلك الهضبة الاستراتيجية التى سيطرت عليها إسرائيل فى حرب ١٩٦٧ وأعلنت ضمّها فى ١٩٨١، ظلّت لعقود عنصرًا ثابتًا فى الهوية الوطنية السورية ورمزًا للمطالبة بالسيادة الكاملة. ومعظم دول العالم، باستثناء أقلية من الاعترافات، تعتبره أرضًا سورية محتلة وفق القانون الدولى.
الخريطة الرسمية الجديدة المنشورة من دمشق تُظهر سوريا من دون الجولان، وهو أول حدث من نوعه على مستوى الهيئات الحكومية السورية. هذه الخرائط، التى تُعد جزءًا من منشور احتفالى بشأن رفع قيصر، جاءت خالية من تلك الهضبة وظهر معها أيضًا غياب لواء إسكندرون، وهو موضوع منفصل لكن مرتبط بذاكرة سياسية وجغرافية.
أخبار متعلقة
no image
هل من حق الرئيس أن يسخر من أسلافه؟
no image
«شروق الشمس» أم غروب السياسة؟
no image
البقاء للأذكى
ردود الفعل كانت واسعة ومُتباينة. البعض رأى فى الخريطة خطأً غير مقصود أو مجرد تقصير فى التصميم، بينما رآها آخرون إقرارًا ضمنيًا بتغيّر فى الموقف السياسى السورى حيال الجولان. فهناك من وصفها بأنها تنازل رمزى عن المطالب السيادية، أو إقرارٌ بحقيقة واقعة الاحتلال الطويلة، وأوضح البعض أن نشر خريطة بلا الجولان قد يعنى أن الدولة باتت تنظر إلى حدودها من منظور إدارى واقعى بدل المواقف المعلنة فى خطابات الماضى.
الكثير اعتبر أن ذلك بمثابة تنكّر لرموز التحرير وشعار سنوات طويلة من الخطاب الوطنى الذى وضع تحرير الجولان على رأس مطالب السيادة. بينما برّر آخرون الخريطة بأنها مرتبطة بالاحتفاء برفع قيصر وليس تغيّرًا فى الموقف الرسمى طويل المدى، وأن الخريطة المستخدمة ربما تم تسريبها بشكل غير دقيق فى سياق المنشور.
النقاش حول الخريطة لا يقتصر على جانب فنى أو أخطاء تصميم، بل يتصل بتطورات سياسية وجيوسياسية معقّدة. تحولات فى إدارة الدولة السورية نفسها، فى عام ٢٠٢٥، سوريا ليست كما كانت قبل سنوات من الصراع، والانقسامات الداخلية وسيطرة فرق متعددة، إلى جانب انسحاب بعض الأطراف الدولية، أدّت إلى تقاطع نفوذ وتشتت فى السيطرة الفعلية على الأرض. تراجع الخطاب الرسمى الثابت حول استعادة الجولان، منذ عقود، كانت دمشق تُكرّس فكرة التحرير الكامل كأولوية استراتيجية وسياسية. الخريطة الجديدة تشير إلى تبدّل فى هذا الخطاب. أيضا الوضع فى المنطقة بحد ذاته يتجه نحو إعادة ترتيب النفوذ. إسرائيل تواصل تكريس وجودها فى الجولان، وقد أعلنت أن ذلك جزء من أمنها القومى، بينما المجتمع الدولى ليس موحّدًا فى الاعتراف بسيادتها، لكن هناك توجهات تتوازى فى حالات أخرى لرسم خرائط جديدة فى الشرق الأوسط.
نشر خريطة بلا الجولان لم يكن حدثًا بسيطًا أو تافهًا، بل هو دلالة على تحوّلات سياسية ورمزية فى لحظة حسّاسة من التاريخ السورى المعاصر.