بقلم : عبد المنعم سعيد
قد تبدو العلاقة ما بين كرة القدم والحداثة نوعا من السخف الفكري؛ ونقلا عن العظيمة «أم كلثوم» أنها رأت أنه من الأجدى منح كرة لكل لاعب فى مباريات كرة القدم بدلا من الاقتتال عليها تسعين دقيقة. المرجح أن ذلك كان نوعا من المزاح الذى يلائم اللعبة فى أزمنة سابقة. حالها اليوم مختلف، وبات جزءا من الحداثة العالمية، والحداثة المصرية، التى بدأت مع محمد على الكبير فى 1805 وأخذت طابعا عصريا صافيا فى العشرينيات من القرن الماضى حتى وصلنا إلى العالم المعاصر. وهكذا بات بالنسبة لمصر أسبقية فى العالم العربى عندما عرفت الاتحادات الرياضية مع الجامعات والبريد والبنوك والسينما والمسرح والإذاعة وظهرت القوافل من الكتاب والمفكرين فضلا عن التطور السياسى بالدستور والبرلمان. وكان طبيعيا أن تأخذ دول عربية أخرى بالدخول فى هذا المسار؛ وفى العقد الحالى فإن هناك 12 دولة عربية تأخذ «الحداثة» مأخذا جديا بما فيها بُعدها الرياضى الذى يجمع «الجمهور»، ويبنى الإستادات التى تشير إلى العمار، ويقدم اللاعبين حيث المهارة والسعى للفوز ورفع علم الدولة بألوانه وما يوحى به من دولة أمة أو Nation State.
كرة القدم من أسرع الطرق لدعم الهوية الوطنية وهى المكون الأول فى عملية التحديث من خلال الآلاف من الجماهير فى مكان واحد ومعهم الأعلام والأهازيج والهتافات. المكون الثانى أن اختراق إقليم الدولة من خلال تشجيع الأندية الرياضية فى أنحاء الإقليم يقرب من حدود الدول وثقافاتها وتنوعها. المكون الثالث فيه من تعبئة الموارد البشرية والمعنوية ومع الزمن الاقتصادية هدفا يجرى تحقيقه مباشرة وفى منظومات محلية وإقليمية ودولية. المشاركة - وهى المكون الرابع - من قبل الشباب تكون نوعا من تقارب الأجيال التى تنتمى إلى هدف واحد ناديا أو جهة أو دولة. ليس مصادفة أن عددا من الدول العربية مؤخرا استدعت اللاعبين من كل اتجاه لجذب جماهيرها إلى نقطة واحدة من التجمع لمناصرة الأمة.