بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ما أشد حاجة النضال الوطنى الفلسطينى فى مرحلته الراهنة إلى فنان مثل ناجى العلى الذى ساند هذا النضال بريشته الحادة وقلمه البتَّار. ولذا لم تكن الرصاصة التى قضت على حياته قبل ما يقرب من أربعة عقود مجرد اعتداء على فنان، بل محاولة لقتل القضية التى نذر حياته من أجلها. لم يُحل بعد لغز استشهاده، ومازال قاتله مجهولاً، وتوزع دمه بين أطراف عدة إسرائيلية وفلسطينية. فهو لم يجاهد ضد الاحتلال الصهيونى لبلده فقط، بل واجه من مكًَنت أخطاؤهم هذا الاحتلال من أن يبقى ويتوسع. ناضل ناجى العلى بريشته التى عبرت عن رؤى عميقة نافذة. واختار فن الكاريكاتير لأنه سريع الوصول إلى القلوب إذا كان صادقًا. وقد وصلت رسومه بالفعل إلى حيث أراد لها أن تصل، الأمر الذى دفع أحد المتضررين منها إلى قتله. وصف أسلوبه فى الرسم بما سماَّه «النكات السوداء»، أى جعل الناس يضحكون من واقعهم بمرارة الذى يعرف الشىء، ويزعم أنه لا يدركه. واستمد عمق رؤيته من حياته فى مخيم بسيط يشعر سكانه اللاجئون بظلم دفين. فكان عليه أن يعبر عن مأساتهم، وأن يصرخ فى وجه العالم، فاستخدم موهبته فى الرسم لمصلحة شعبه وقضيته انطلاقًا من مخيم عين الحلوة فى لبنان إلى صحيفة اليوم اللبنانية، ثم صحيفة الحرية الفلسطينية، ثم صحيفتى السياسة والقبس فى الكويت حيث ابتكر شخصية حنظلة التى اكتسبت شهرة واسعة .. ذلك الطفل الفلسطينى الدائر بوجهه عن القراء مع رسالة موقعة منه. فتح حنظلة نار تعليقاته على الاحتلال كما على كل من أساء إلى قضية فلسطين، فكان أن استُهدف بنار حقيقية فى ضاحية ويمبلدون اللندنية أمام مقر الطبعة الدولية لصحيفة القبس حيث كان يعمل. استُهدف حنظلة من مسافة قريبة فأصابت الرصاصة الجانب الأيمن من وجهه، فظل فى صراع مع الموت نحو 40 يومًا إلى أن فارق الحياة، وظل السؤال عمن قتله مُثارًا حتى اليوم.