بقلم : عبد اللطيف المناوي
اليوم ٢٥ ديسمبر، تضاء شجرات الميلاد فى مدن كثيرة حول العالم، وتعلو التهانى وتُفتح البيوت على الفرح والدفء. وبعد أيام قليلة، فى ٧ يناير، يتكرر المشهد ذاته فى بيوت وكنائس أخرى، خصوصًا فى مصر والشرق. وقد يبدو هذا الاختلاف فى الظاهر مربكًا للبعض، أو مدعاة لتساؤلات، الحقيقة أبسط وأجمل، العيد واحد، والرسالة واحدة، وما يختلف فقط هو حساب الزمن.
عيد الميلاد، فى جوهره، ليس تاريخا على ورقة ولا رقما فى تقويم، بل لحظة إنسانية بامتياز، لحظة تُستعاد فيها معانى السلام والرجاء والمحبة، ويبحث فيها البشر عن نور صغير يبدد بعضا من عتمة العالم. لذلك، فإن الاحتفال به فى ديسمبر أو يناير لا يغيّر من معناه شيئًا، ولا يمس جوهر الإيمان أو العقيدة.
والتفسير المباشر للاختلاف بين ٢٥ ديسمبر و٧ يناير بسيط وواضح، الاختلاف تقويمى بحت، لا لاهوتى ولا عقائدى. فجميع الكنائس المسيحية تتفق على أن عيد الميلاد هو ٢٥ ديسمبر، ولا خلاف على هذا الأصل. السؤال ليس: متى وُلد المسيح؟ بل أى تقويم نستخدم لحساب الأيام؟
هنا ندخل إلى حكاية التقويمين. فبعض الكنائس، وعلى رأسها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومعها عدد من الكنائس الشرقية، لا تزال تعتمد التقويم اليوليانى القديم، وهو تقويم وُضع فى العصر الرومانى وظل مستخدما قرونًا طويلة. فى المقابل، تعتمد معظم دول العالم وكنائسها اليوم التقويم الجريجورى الأحدث، المستخدم فى الحياة المدنية المعاصرة. والفرق بين التقويمين حاليًا يبلغ ١٣ يوما.
كيف ينعكس هذا الفرق عمليا؟ ٢٥ ديسمبر حسب التقويم اليوليانى يوافق ٧ يناير حسب التقويم الجريجورى. أى أن الكنيسة القبطية حين تحتفل بعيد الميلاد فى ٧ يناير، فهى تحتفل به فى ٢٥ ديسمبر وفق تقويمها الخاص، لا أكثر ولا أقل. العيد هو نفسه، واليوم هو نفسه، لكن الأرقام تختلف بسبب اختلاف طريقة العد.
ويبقى سؤال يتكرر كثيرًا، لماذا لم تغير الكنيسة المصرية تقويمها؟ الأمر يتعلق بالاستمرارية التاريخية والهوية الطقسية، لا برفض التحديث أو الاختلاف مع الآخرين. الكنيسة القبطية ترى أن وحدة الإيمان لا تحتاج إلى توحيد التقويم، تمامًا كما تختلف التوقيتات بين الدول بينما تبقى اللحظة واحدة. الزمن يُقاس بطرق مختلفة، لكن المعنى لا يتغير.
إذن، لا يوجد خلاف دينى، ولا اختلاف على يوم ميلاد المسيح، ولا انقسام فى الجوهر. هناك فقط اختلاف حسابى تقويمى، العيد فيه واحد، وهو ٢٥ ديسمبر، لكن التاريخ الظاهر يختلف بفارق ١٣ يومًا بين تقويم وآخر.
تستحق المناسبة أن تكون جسرا لا حاجزا، وفرصة للتهنئة لا للجدل. فلكل من يحتفل بعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر، ولكل من سيحتفل به بعد أيام فى ٧ يناير، التهنئة صادقة واحدة: كل عام وأنتم بخير. ليكن العيد مساحة للمحبة، وتذكيرا بأن ما يجمع البشر دائمًا أعمق وأبقى من تفاصيل التقويم، وأن روح الميلاد لا تعرف إلا السلام.