بقلم: طارق الشناوي
الشريط السينمائى «هرتلة فى القاهرة» يقدم أكبر تحية حب لمصر من المخرجة اللبنانية الكويتية فرح الهاشم، أتعجب لماذا لم يتنبه المبرمجون فى مهرجانى (القاهرة) أو(الجونة) مثلا، لكى يجد مكانا على خريطتهما؟ أو لماذا لم تفكر فرح الهاشم فى عرضه على شاشة سينمائية؟!.
الفيلم يتمتع بحس جماهيرى، وخفة ظل فى التتابع، وإبداع فى الرؤية الفنية، ينتقل برشاقة من قضية إلى أخرى.. حكت الكثير عن حياة المصريين بكل تضاريسها وشاركتهم أيضا ساندويتش فلافل (طعمية)، اقتربت بحذر وذكاء من كل القضايا الاجتماعية والسياسية، من اتفاقية (كامب ديفيد)، إلى غلاء المعيشة، ومنها إلى غلاء آلة العود، ومصير بيت سيد درويش فى (كوم الدكة)، من حتمية أن يمتلك العرب قنبلة نووية، إلى أغنيات ليلى مراد وفريد الأطرش وأفلام فاتن حمامة.. كل هذا تحت الهامش المتاح رقابيا.. أهدت الفيلم إلى واحد من صناع الجمال المصرى، صلاح جاهين، الذى استطاع بأشعاره وتحديدا الرباعيات أن يرسم ملامحنا.
الفيلم قدم كل الآراء، شاهدنا كاتبا كبيرا مثل الأستاذ محمد السيد عيد يتحدث عن مصر فى 67 ومعاناة المواطن، مؤكدا أن الحال الاقتصادى أفضل حاليا. لم أستوعب ما تردد عن غضب الرقيب الكاتب الكبير عبد الرحيم كمال بعد عرض الفيلم على (اليوتيوب) ليصبح متاحا للجميع، الهرتلة هى الكلام الفارغ وفى قاموس (الروشنة) المعادل الموضوعى للهرى.. العنوان مجرد غطاء خارجى بمجرد أن تنزعه، ترى الحقيقة، ترى مصر بعين وقلب يقف فى جانبك ويؤيدك ويحبك.
يكفى الحديث عن الوحدة الوطنية داخل الوطن، أمسكت المخرجة بهذا العمق، صحيح أننا نرى بين الحين والآخر تجاوزات تحت ما يسمى المجالس العرفية، ولكن هل يستطيع أحد أن يتشكك فى صدق وعمق تلك العلاقة (الجينية) الأبدية.
الحديث عن إحساس المواطن بغلاء المعيشة وأن الطبقة المتوسطة فى بلادنا تعيش المعاناة هل صار ممنوعا؟!.. المطلوب أن يصمت الفيلم التسجيلى أو يغض الطرف عن رصد ما يعيشه المصرى، بحجة أن دورنا هو تقديم (كارت بوستال) لوجه المصرى المبتسم دائما، والذى نراه فى صبره يتجاوز صبر سيدنا أيوب.
الحساسية أحيانا تأتى عندما نقرأ توقيع مخرج غبر مصرى عن فيلم يتناول حياة المصريين، وهى نظرة قاصرة جدا وتخصم من مكانة مصر، مصر عبر الزمن تشكل جزءا عميقا من هوية ووجدان الإنسان العربى، مهما كانت جنسيته، فهو يشعر أن بداخله (جينات) مصرية. الفيلم المصرى هو الفيلم (العربى)، والفنان المصرى، مثل أم كلثوم يطلق عليها سيدة الغناء (العربى)، وفاتن حمامة سيدة الشاشة (العربية) وقبل كل هؤلاء طه حسين عميد الأدب (العربى)، يجب أن نحافظ على تلك المكانة. من حق العربى أن يقول أيضا من داخل أرض مصر رأيه فى مصر. هناك نعرة تطفو على السطح بين الحين والآخر تريد إغلاق الأبواب. شاهدناها حتى فى الأربعينيات، عندما رفعت بعض المطربات داخل نقابة الموسيقيين تلك اليافطة: (أخى جاوز الظالمون المدى/ جاءت صباح بعد نور الهدى)، يقصدون المطربتين نور الهدى وصباح، ومن أسقطت هذا الشعار نقيب الموسيقيين أم كلثوم، لأنها تعلم تماما قيمة مصر. لا أشك لحظة واحدة فى أن عبد الرحيم كمال سيقف فى نفس الخندق مع فرح الهاشم وسيدافع بكل ما أوتى من قوة عن تلك (الهرتلة) الجميلة!.