التكنولوجيا والأمن القومي العربي

التكنولوجيا والأمن القومي العربي

التكنولوجيا والأمن القومي العربي

 العرب اليوم -

التكنولوجيا والأمن القومي العربي

بقلم - لحسن حداد

 

يشهد الأمن العربي تحديات متصاعدة، في وقت تستبيح فيه إسرائيل سيادة دول من لبنان إلى سوريا واليمن وتونس وقطر، وكان هناك التغلغل الإيراني في لبنان وسوريا والعراق واليمن وفلسطين. وقد عمّقت الحروب الأهلية في ليبيا والسودان وسوريا واليمن من ضعف الدولة، وجعلتها ساحات لتنافس القوى الإقليمية والدولية، بينما تغذي النزاعات المفتعلة بين دول عربية ـ مثل المغرب والجزائر ـ الانقسام وتمنح خصوماً مثل إسرائيل فرصاً لإدامة الفتنة.

في هذا السياق، تراجع صوت العمل العربي المشترك، وغلبت التحالفات التكتيكية على أي تفكير استراتيجي. لم يتحقق التكامل الاقتصادي أو الأمني، ولا التقدم في الأمن الغذائي أو التجاري، ولم يترسخ مشروع دفاع عربي مشترك. النتيجة أن الفجوة مع القوى الإقليمية والدولية تتسع، لأنها اعتمدت العلم والتكنولوجيا أدوات قوة، بينما بقي العرب يستهلكون ما يُنتَج دون المشاركة في صناعته.

إن التكنولوجيا والاختراع هما أساس التفوق الإسرائيلي في الدفاع والاختراق، وكانا أساس النفوذ الخارجي في سوريا والعراق واليمن. ولا سبيل أمام العرب سوى تبني استراتيجية موحدة يقودها مَن يملك الإمكانات والخبرة، وتلتحق بها بقية الدول، لبناء منظومة عربية للتقدم العلمي والتكنولوجي والعسكري.

أولاً: على الدول العربية أن تحدد نسباً واضحة لتوطين صناعة وصيانة وبرمجيات وحقوق بيانات المعدات العسكرية التي تشتريها. مصر تملك صناعة عسكرية متكاملة عبر هيئاتها ومصانع الجيش، فيما وضعت السعودية هدف توطين 50 في المائة من إنفاقها الدفاعي بحلول 2030. والمغرب يتحرك لإنشاء منطقتين صناعيتين للدفاع عبر شراكات مع «ميدز» وشركات أجنبية. مثل هذه الجهود تحتاج إلى تنسيق عربي يخلق تكاملاً ويؤسس صناعة دفاعية إقليمية.

ثانياً: يجب بناء أبطال وطنيين وجهويين في التكنولوجيا الدفاعية. نموذج الإمارات من خلال «إيدج» يبرز كيف يمكن لدولة عربية أن تتموقع بين أكبر موردي السلاح عالمياً بالتركيز على الأنظمة الذاتية والحرب الإلكترونية. في السعودية، يضخ صندوق الاستثمارات العامة موارد ضخمة في الطيران والدفاع. أما مصر فتدير شبكة واسعة من مصانع التسليح والذخائر والمركبات. لكن التحدي هو غياب التنسيق، مما يفرض التفكير في شبكات تكاملية تضم الشركات الصغيرة والمتوسطة، والمختبرات والقطاعين العام والخاص.

ثالثاً: يجب تركيز البحث والتطوير على المجالات ذات الاستخدام المزدوج، مثل الطائرات المسيّرة والروبوتات والطيف الكهرومغناطيسي للحرب الإلكترونية والاتصالات المرنة. الأمن السيبراني أيضاً أصبح أساسياً، إذ لا يمكن لأي منظومة دفاعية أن تعمل بفعالية دون حماية رقمية. كما أن الاستثمار العربي في الأقمار الاصطناعية وبرامج الفضاء يوفر قاعدة يمكن تحويلها سريعاً لأغراض عسكرية إذا ما وُضعت خرائط مخاطر وآليات استجابة مشتركة.

رابعاً: من الضروري إنشاء مراكز اختبار وتقييم للطائرات والبرمجيات والأمن السيبراني، تمنح شهادات سريعة ومعترفاً بها دولياً. هذه الخطوة تسهّل التصدير وتضمن مطابقة المنتجات للمعايير العالمية.

خامساً: على الدول العربية حماية بياناتها الحساسة عبر مراكز بيانات محلية، مع أنظمة مفتوحة تمنع الاحتكار وتسمح بتبديل الموردين. الإمارات تطبق هذا النهج عبر ربط السيادة بالتحكم في البيانات، ويمكن تعميم التجربة لتشمل قنوات تبادل بيانات بين الدول ذات الرؤى المشتركة.

سادساً: ينبغي تعزيز الروابط بين الجامعات والمختبرات والصناعة الدفاعية عبر تمويل مشاريع لحل مشاكل ميدانية مثل مكافحة المسيّرات أو إزالة الألغام. إشراك الضباط والمهندسين مع الطلبة والباحثين يخلق دينامية جديدة، فيما توفر برامج الفضاء مثل «مسبار الأمل» خبرات يمكن نقلها إلى الدفاع.

سابعاً: يمكن للدول العربية أن تختار مشروعاً تقنياً واحداً مشتركاً في كل مجال وتقوم بتمويله معاً، مع تقاسم الملكية الفكرية منذ البداية. هذا يضمن مصنعاً رئيسياً واحداً لكنه يوزع القدرات على الشركاء. تجارب قطر (برزان)، الإمارات (إيدج) والسعودية (سامي) تبرهن أن هذا النموذج قابل للتنفيذ ويولّد قيمة مضافة.

ثامناً: يجب تحديث سياسات المشتريات والتصدير. فبدلاً من التركيز على منصات جاهزة، ينبغي توجيه العقود نحو النتائج والبرمجيات، مع مسارات سريعة من الدراسة إلى النموذج الأولي ثم التشغيل خلال 18 شهراً. وعند اعتماد الأنظمة، يجب دعم تصديرها كما تفعل الهيئة العربية للتصنيع في مصر التي تجمع بين الدفاع والتقنية المدنية.

الهدف في المدى القريب هو تشكيل حافظة مشاريع دفاعية متوازنة ومنخفضة المخاطر: أنظمة مكافحة المسيّرات، طائرات استطلاع مستقلة، رادارات قصيرة المدى لحماية المطارات والقواعد، أجهزة حرب إلكترونية، ميدان سيبراني للبنى التحتية، ووعي بحري معزز بالأقمار الاصطناعية الصغيرة.

الخلاصة أن نجاح هذه الاستراتيجية يتطلب التعاون الإقليمي لتقاسم التكاليف والخبرات، مع التصنيع المحلي لبناء القدرات. الأنظمة المفتوحة تمنح مرونة أكبر وتمنع الاحتكار. والتجارب في دول عربية تؤكد أن التوطين والتطوير المشترك يعززان الكفاءة وفرص التصدير. وإذا ما جرى الاستثمار الذكي في الأمن السيبراني والفضاء، فإن العرب قادرون على صياغة منظومة دفاعية أكثر تكاملاً واستدامة، تعيد الاعتبار لمفهوم الأمن القومي العربي المشترك.

arabstoday

GMT 10:51 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المسلمان

GMT 10:48 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

من موجة ترمب إلى موجة ممداني

GMT 10:47 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مفاجأة الحرب... تكنولوجيا أوكرانية مقابل أسلحة أميركية

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 10:37 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

المتحف المصري الكبير

GMT 10:36 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

«تسونامي» اسمُه ممداني

GMT 10:33 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السودان... حكاية الذَّهب والحرب والمعاناة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التكنولوجيا والأمن القومي العربي التكنولوجيا والأمن القومي العربي



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
 العرب اليوم - إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة
 العرب اليوم - وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بتدمير جميع الأنفاق في قطاع غزة

GMT 16:15 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة
 العرب اليوم - الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 10:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

محاذير هدنة قصيرة في السودان

GMT 09:06 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

عمرو دياب يوقف حفله في دبي بسبب نيللي كريم وأحمد السقا

GMT 15:41 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

يامال يرفض المقارنات بميسي ويركز على تحسين أداء الفريق

GMT 16:15 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمم المتحدة تطلق حملة تطعيم واسعة للأطفال في غزة

GMT 10:58 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مرقص حنا باشا!

GMT 10:59 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

مرة أخرى.. قوة دولية فى غزة !

GMT 11:40 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

.. وفاز ممداني

GMT 22:52 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إقبال تاريخي على المتحف الكبير في مصر مع زيارات غير مسبوقة

GMT 12:01 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

صدقوني إنها «الكاريزما»!

GMT 20:43 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تنفق ملايين الدولارات لتحسين صورتها في أميركا

GMT 11:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إحياء الآمال المغاربية

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 10:05 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

ياسمين صبري تعلّق على افتتاح المتحف المصري الكبير
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab