بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
لا يوجد ما يدل على أن الفرق فى مستوى الثقافة والمعرفة يؤثر فى أداء السياسيين وسلوكهم. ونادرًا ما تُفسر تصرفات سياسى أو آخر اعتمادًا على زيادة معارفه أو قلتها. ولا يلفت مستوى ثقافة السياسيين الانتباه فى الأغلب الأعم. وينطبق ذلك على الفرق بين الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون وقادة غربيين آخرين ليس لهم من ضروب الثقافة نصيب. ماكرون هو أكثر القادة الغربيين ثقافة. فقد حصل على دبلوم الدراسات العليا فى الفلسفة من جامعة «باريس-نانت»، ودرس فى المدرسة الوطنية للإدارة التى يتخرج فيها أبرز القادة الفرنسيين. وهو قبل ذلك وبعده تلميذ الفيلسوف الفرنسى الكبير بول ريكور (1913-2005). ولكن أثر هذه الثقافة لم يظهر فى أداء ماكرون الذى دخل قصر الإليزيه للمرة الأولى عام 2017 عن عمر 39 عامًا. لم يلحظ قليلون هذا الأثر إلا فى كلمات ألقاها فى مناسبات ثقافية، أو فى تأبين مثقفين كبار. وتعد كلمته فى تأبين الكاتب الفرنسى جان دور ميسون فى ديسمبر 2017 قطعة فلسفية جميلة وعميقة استشهد فيها بعدد من الفلاسفة، وإن رأى بعض المراقبين أنها قد تكون من تدبيج بعض مساعديه أو مستشاريه. وسواء كان هو الذى كتب تلك الكلمة أم اعتمد فيها على غيره، يظل هو الرئيس الأكثر ثقافة ومعرفة بين القادة الغربيين. ومع ذلك فقد كان، ومازال، أكثرهم عرضة للنقد والهجوم فى الداخل وعلى المستوى الأوروبى. وهو الوحيد بين القادة الغربيين الحاليين الذى تلقى صفعة قوية على وجهه من شاب يعارضه خلال جولة قام بها فى بعض مدن جنوب فرنسا عام 2021. كما أنه لم يسلم من سخرية نائب رئيسة الوزراء الإيطالية ماتيو سالفينى قبل أيام ردًا على اقتراحه نشر جنود أوروبيين فى أوكرانيا فى إطار الضمانات الأمنية التى يمكن أن تُقدم لها حال التوصل إلى اتفاق سلام مع روسيا. فقد قال سالفينى عن اقتراح ماكرون إنه سخيف، ونصحه بأن يذهب هو إلى أوكرانيا واضعًا خوذة على رأسه وحاملاً بندقية.
وهكذا يبدو أن الثقافة «لا تُكيل بالباذنجان» فى السياسات الغربية.