بقلم : أسامة غريب
يبدو أن الرؤية الاستراتيجية لدى الأتراك تنقصها عدسات مضبوطة حتى لا تُمنى أحلام أنقرة بخسائر لا مبرر لها نتيجة العتمة!. لقد كانت تركيا هى التى اعتلتها إسرائيل لتحقق أهدافها فى سوريا، ومن المؤسف أن كل ما استثمره أردوغان فى الشام منذ عام ٢٠١١ حتى الآن من مال ورجال وعتاد وخطط، وما تكلفه من خصومات وعداوات مع دول الجوار.. كل هذا الزرع قد قامت إسرائيل فى موسم الحصاد بالاستيلاء عليه كاملاً. لم يترك الإسرائيليون لأردوغان شيئاً يقدمه لشعبه كمبرر لكل ما احتمله الشعب من ضغوط نتيجة ملايين اللاجئين السوريين الذين تدفقوا على المدن التركية فزاحموا الأتراك فى الوظائف والمساكن ولقمة العيش. وقد فسر البعض الأخبار التى تواترت مؤخراً على لسان حقان فيدان، وزير الخارجية، بقطع العلاقات التجارية والاقتصادية مع إسرائيل ومنع طائراتها وسفنها من المرور والتحليق فى المياه والأجواء التركية، بأنها ردة فعل غاضبة على الفجور الإسرائيلى فى استباحة الأرض السورية وعدم أخذ مصالح أنقرة فى الاعتبار. صحيح أن المسؤولين الأتراك فى حملاتهم اللفظية اليومية ضد تل أبيب وقادتها المجرمين يعزون الغضب التركى إلى المذابح وحرب الإبادة التى يقوم بها الصهاينة فى غزة، إلا أن الحقيقة أن غزة لا دخل لها بالحنق الذى يشعر به أردوغان وفريقه ضد إسرائيل، فقد استمرت سفن الإمدادات تخرج من الموانئ التركية محملة بالوقود والمواد الغذائية من خضر وفواكه وحبوب وألبان طيلة العامين الماضيين. والمضحك أن تصريح قطع العلاقات التجارية والاقتصادية الذى شاع وذاع فى اليومين الماضيين هو خبر قديم تم إعلانه منذ أكثر من سنة، وكان بمثابة رشة مخدر فوق الجسد الغزاوى الجريح لكن لم يكن له ظل من الحقيقة، واليوم يعاد تدوير نفس الخبر وبالذات فى الوسائط الإخوانية التى تحسن الظن بالخليفة المنتظر وتبرر له أفعاله وقراراته.
هناك غضب تركى حقيقى من إسرائيل التى كانوا يظنون أنها سترضى بتقاسم النفوذ والأراضى معهم، لكن فوجئوا بأن الجيش الإسرائيلى لا يسمح للشاحنات التركية بتفريغ شحنات الأسمنت التى يعتزمون استخدامها فى بناء مرتكزات عسكرية على الأرض حتى فى الشمال السورى، وقد قامت الطائرات الإسرائيلية بالقضاء على كل المحاولات فى هذا الصدد. ومع ذلك فهذا الغضب لم يسفر عن مواقف حقيقية تؤلم العدو، فلا أنقرة تنوى الصدام العسكرى مع الإسرائيليين ولا تعتزم وقف التعاون والتبادل التجارى معهم، وإنما تأمل أن يتدخل الأمريكان ليرفعوا القبضة الإسرائيلية عن عنق أحمد الشرع ويسمحوا لتركيا أن تكون لها كلمة فى سوريا الجديدة وأن ينظروا بشىء من الامتنان للدور التركى فى إنهاء الوجود الإيرانى ووجود حزب الله فى سوريا وهو دور لم تقدر عليه إسرائيل وحدها.. غير أن المشكلة هنا أن بنيامين نتنياهو ليس من النوع الذى يأكل ويشكر، لكن يزيده الطعام نهماً، وهو بعد أن يستتب له الأمر فى سوريا سيدخل على تركيا وحينئذ لن يحميها حلف الناتو، وإنما سيُخضعها ويتقاسمها مع الجيش الإسرائيلى!.