رجال أثروا في حياتي

رجال أثروا في حياتي

رجال أثروا في حياتي

 العرب اليوم -

رجال أثروا في حياتي

بقلم - جميل مطر

كثيرون هم الرجال الذين أثروا فى مجرى حياتى. بعضهم خلف آثارًا أثرت ساعات وأيامًا. بعض آخر ترك بصمات لا تمحى. بعض ثالث مر مرورًا عابرًا ولكن بآثار عميقة. كثيرون عبروا عبورًا خامدًا، لا حس ولا خبر.

فى حياتى رجال آلوا على أنفسهم إلا أن يرسموا لحياتى خرائط طريق ضعت فى كثير من شعابها وصححت أو أعدت رسم القليل منها، ورجال عاشوا ورحلوا ولم يدركوا أنهم خلفوا لى وراءهم إرثًا من قيود كبلت بعض حرياتى، وآخرون كثيرون قدموا نماذج حية موحية أو مغرية أو ناهية جربت منها البعض القليل وتمردت على البعض الكثير..

فى حياتى، كما فى حياة كل الناس، رجال يستحقون أن نأتى على ذكرهم بين الحين والآخر وفاء وإشادة أو تنبيها وإفادة.

• • •

قيل لى إنه كان لى عم، شقيق لأبى، يكبره بسنوات غير قليلة وكان الأكبر على أشقاء خمسة أو ستة. أذكره شكلا. قيل لى أيضا إن هذا العم تعرف فى شبابه على «فنانة» يونانية تغنى وترقص لرواد ملهى ليلى. تطورت العلاقة نحو حب جارف من طرف واحد أطاح بثروته الشخصية قبل أن تمتد لتطيح بثروة العائلة  المكونة من أراضٍ زراعية وشركات ومطابع ومحلات لبيع الكتب وغيرها من «الورقيات». فرضت الأزمة على أبى وأشقائه التوقف عن الدراسة للعمل بالحكومة. فرضت أيضًا علينا جميعًا فى العائلة الالتزام بثقافة عنوانها بالعامية المصرية «إن فاتك الميرى اتمرغ فى ترابه». وبالفعل كان هذا الالتزام أحد اعتبارات القرار بتوجه معظم شبان العائلة نحو آفاق العمل الحكومى.

• • •

بمناسبة الحديث عن عمى الأكبر أذكر أننى فى بداية سنوات مراهقتى اكتشفت أن عمى الأصغر يقضى معظم أمسياته وبعض لياليه فى مقهى غير بعيد عن موقع سكنى. اكتشفت أيضا أن عازفا على العود لا تفوته هذه السهرات وأننى صرت أحرص على الاستماع لعزفه وأغانيه الشعبية مختبئًا مع مراهقين آخرين وراء حائط تابع لمبنى مجاور للمقهى. هناك، وأنا فى العاشرة من عمرى، تشبعت مبكرا بفن وشخصية سيد مكاوى حتى صرت أحد مريديه وإن عن بُعد. كبرت سنًا ونضجًا وكبرت معى هواية هذا النوع من الموسيقى الشرقية، كبرت أيضًا ونضجت ابنته حتى صارت سفيرة لدى الفاتيكان.

بمناسبة الموسيقى والولع بها عشت معظم سنوات عمرى أعترف بفضل عز الدين فريد زوج شقيقتى الكبرى على تنمية وعيى بالموسيقى الغربية الكلاسيكية دون تعارض مع تعلقى بالموسيقى الشرقية، وعلى تشجيع ميلى لقراءة الروايات البوليسية ومذكرات القادة الكبار فى دول الغرب. أظن أننى مدين له أيضًا بخاصية الإنصات لساعات لا أمل ولا أقاطع ولا أشرد.

لا أشرد ولكن فى رأسى ورشة تعمل بدون توقف. إذا لم تعمل للعمل الذى أؤديه خلال سنوات خدمة «الميرى» أو الكتابة الحرة والكتابة المقيدة، هذه الأخيرة استهلكت من قوانا وطاقتنا أضعاف ما استهلكته الكتابة الحرة، هى على كل حال آفة كل العصور وكل العقائد، لم يفلت من إسارها مفكر كبير أو صغير.

كنت طفلًا عليلًا، بمعنى كثرة حالات المرض نتيجة التهاب مزمن فى «اللوزتين»، وكان لنا طبيب خاص يسكن فى حى الظاهر فى وقت كنا نسكن حى «المالية» أو حى الوزارات. كان يقطع هذه المسافة فى عز الليل أو عز القيظ. كانت حجة أمى فى استدعائه فى مواعيد غير مناسبة قلق «أبو الولد»، وهو قلق غريب استمر حسب رواية الأم حتى كبر الولد وتخرج فى الجامعة واشتغل بالسلك الدبلوماسى وكان يتأخر فى عودته من سهرة أو أخرى بحكم اختلاطه بنوع مختلف من البشر، لم يكن الوالد يأوى إلى فراشه قبل عودة ابنه إلى البيت، وقد صار هو نفسه رجلًا ورب بيت ووالدًا.

 مرت الأيام، غاب عنا طبيب طفولتى، كبرت وقرأت وأسر لى أبى أن طبيبى الرائع كان يهودى الديانة، وقبل سفره أبلغ أبى أنه يسافر مجبرًا، فهو لم يعرف وطنًا إلا مصر، على أرضها ولد وفى مدارسها وجامعاتها تعلم، وكل أصدقائه وعائلته من هذا البلد. مرت سنوات واختطفنى مع أربعة آخرين مستوطنون يهود يسكنون ضاحية من ضواحى مدينة غزة. هناك، أقصد فى المستوطنة التى احتجزونا فيها كما فى سجن بير سبع، قابلت يهودًا يتأسفون على الابتعاد عن مساقط رءوسهم فى المغرب وتونس وحى السكاكينى والظاهر فى مصر. هؤلاء وأمثال طبيبى كثيرون يخضعون هذه الأيام لإرهاب منظمة صهيونية هى الأشد وحشية وقسوة من كل ما ومن عرفنا وسمعنا عبر العصور.

 على سيرة القسوة أتذكر الشيخ بيومى، العالم الأزهرى الذى جرب تدريبى وبنات خالتى على الصلابة ورفض المرونة فى التعامل مع الغير. أظن أنه لم يوفق معى. إلا أننى يجب أن أعترف أننى تفهمت منذ حينها معانى الإيمان القوى بعقيدة وسلوكيات معتنقيها.

تعلمت أيضا كيف أوفق فى الفصل بين أسلوب كتابة البحث العلمى وأسلوب كتابة التقرير الدبلوماسى والمذكرة الرسمية وأسلوب كتابة التقرير الصحفى ومقال الرأى الموجه لعامة القراء. ثلاثة أساليب لكل أسلوب منها قراؤه. علمنى التمييز بينها وساهم فى نقلى من أسلوب إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى أساتذة من كل الثقافات أكثرهم مصريون ومنهم توفيق رمزى وإبراهيم صقر وبطرس غالى وفتح الله الخطيب، آخرون ساهموا أيضا، أولهم وثانيهم  كنديان  والثالث هندى والرابع رومانى والخامس هنغارى، وفى مرحلة أخرى ساهم فى نقلى من أسلوب البحث العلمى ومن أسلوب التقرير الرسمى والمذكرة البيروقراطية إلى أساليب الصحافة حسنين هيكل وأحمد بهاء الدين وممدوح طه وصلاح الدين حافظ ومحفوظ الأنصارى ومصطفى نبيل وآخرون كثيرون.

لن أسعى لمن يعزز إحساسى ويذكرنى بفضل هؤلاء وغيرهم، فكل سطر أكتبه هذه الأيام كفيل بأداء هذا الواجب المحبب بل والممتع.

arabstoday

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

GMT 07:53 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» في سياساتها

GMT 07:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عندما يطغَى الفُجور في الخصومة

GMT 07:48 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

ما تحتاجه سوريا اليوم

GMT 07:47 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رجال أثروا في حياتي رجال أثروا في حياتي



نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 05:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة
 العرب اليوم - واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة

GMT 23:43 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

حماس تعلن تسليم الصليب الأحمر جثة أسير إسرائيلي
 العرب اليوم - حماس تعلن تسليم الصليب الأحمر جثة أسير إسرائيلي

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة
 العرب اليوم - ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة

GMT 00:53 2025 الخميس ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

أنجلينا جولي في زيارة مفاجئة إلى جنوب أوكرانيا
 العرب اليوم - أنجلينا جولي في زيارة مفاجئة إلى جنوب أوكرانيا

GMT 23:06 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك
 العرب اليوم - راما دوجي الفنانة تصبح السيدة الأولى لنيويورك

GMT 08:00 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 07:56 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 07:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

نزع السلاح أولوية وطنية

GMT 07:53 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الدول الكبرى تُشهر«سلاح النفط» في سياساتها

GMT 07:58 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 03:47 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تكشف تأثير المشي في الوقاية من الزهايمر

GMT 05:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعو إسرائيل للسماح للصحفيين الأجانب بدخول غزة

GMT 20:17 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يتهم BBC بتزوير لقطات ضد ترامب

GMT 04:12 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مشروع أميركي لرفع اسم أحمد الشرع من قائمة عقوبات مجلس الأمن

GMT 05:01 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الدفاع المصري يطالب الجيش بأعلى درجات الجاهزية القتالية

GMT 10:13 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

ابتكار جديد يعيد للأسنان التالفة صحتها دون الحاجة إلى جراحة

GMT 07:24 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات دبلوماسية أمام مشروع القوة الدولية في غزة

GMT 04:57 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مدفعية الاحتلال تقصف المياه اللبنانية قبالة الناقورة

GMT 04:49 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 6.2 يضرب إندونيسيا

GMT 05:50 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 05:19 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل شخصين بضربة أميركية استهدفت قارب مهربين في المحيط الهادئ
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab