لم يكن الإرهاب الأصولي منفصلاً قطّ عن أفكار ومنظومة وآيديولوجيا تنظيم جماعة الإخوان، بل صار نتيجةً مباشرة لذلك الفكر الجهنمي. لقد تمكّنت الجماعة من التغلغل في جميع الأدبيات الأصولية، إنها جماعة قادرة على المكر والخداع وإرادة الاستيلاء على الحكم ولو بالعنف.
لطالما حذّرت دول الاعتدال التي جرّمت الجماعة والمنضوين في لوائها من خطر الإجرام الذي سوف يصدر عنها ومنذ عقود.
ما كانت العمليّات الإرهابية كلها إلا مرتبطة بـ«الإخوان المسلمين» وتنظيماتهم المتفرّعة والمستفيدة من أفكار التنظيم، بما فيها أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، فأسامة بن لادن قال عنه الظواهري إنه تكوّن آيديولوجياً في جماعة «الإخوان»، وعليه فإن تنظيم «القاعدة» مدده النظري مستمدٌ من أفكار الجماعة.
لقد قال الأمير محمد بن سلمان في الزيارة التاريخية لأميركا إن «أسامة بن لادن استغل أفراداً سعوديين في هجوم 11 سبتمبر لهدف رئيسي هو تدمير العلاقات السعودية - الأميركية، ومن يتبنَّ هذا الموقف يساعد في تحقيق هدف بن لادن».
لقد جاء عزم ترمب على تصنيف فروع تنظيم الجماعة بالإرهاب، في وقت عاش فيه الإقليم والعالم منذ سنتين ونيّف كوارث كبرى، وعاشت أميركا هجماتٍ، وكلّها مردّها إلى النظريات الحركية والآيديولوجية والإرهابية للجماعة.
إن أميركا وأوروبا تغافلتا لوقت طويل عن تسريع هذا التصنيف والتجريم. تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش» كلها تغذّت وتربّت وترعرعت على أفكار ونظريات «الإخوان»، وذلك بشهادات مكتوبة، لقد كان البغدادي يرصّع مقولات حسن البنا وسيد قطب على اللافتات، ويكتبها جُنده على الجدران في الموصل، ويُلصقون لوائح المقولات على أبواب المدارس.
إن علاقة «الإخوان» بالغرب عموماً مركّبة ومعقّدة، ولا بد من تحليلها بشكلٍ دقيق وصارم. ومن أهم الكتب التي تطرّقت إلى هذا الموضوع مؤلفٌ مهم بعنوان: «الإخوان المسلمون الجدد في الغرب» للباحث لورينزو فيدينو، وهو زميلٌ لدى المبادرة حول الدين والشؤون الدولية في برنامج الأمن الدولي بمركز بلفر، في كلية كيندي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد، وقد ترجمه مركز المسبار للدراسات والبحوث في أغسطس (آب) عام 2011.
يرى الباحث أن «(شبكات الإخوان المسلمين) و(حماس) في أوروبا مُبيّنةٌ أن موقف الأوروبيين، وأن معظم السياسيين، وغالبية الأجهزة الأمنية وأجهزة إنفاذ القانون، لا يتعاطفون مع (حماس)، لكنهم لا يرون في الحركة تهديداً مباشراً لأوروبا، ومن ثم يوجّهون الموارد والانتباه إلى جماعات أخرى أكثر إلحاحاً مثل: (داعش) و(القاعدة)، وجماعات النازية الجديدة».
ويرى الباحث أن «ما يواجهونه من صعوبة لمقاضاة الأنشطة التي يمارسها أعضاء (حماس) في أوروبا؛ لأنها لا تنطوي على هجمات، وإنما تقتصر على جمع الأموال والنشاط السياسي. كما أن تخصيص موارد ضخمة لإجراء تحقيقات معقّدة تهدف إلى تفكيك شبكات لا تشكل تهديداً أمنيّاً، فضلاً عن فتح المجال أمام اتهامات بـ(الإسلاموفوبيا) وخدمة مصالح إسرائيل؛ ليس اقتراحاً جيداً لأجهزة الأمن والمدعين العامين الأوروبيين».
القول الأميركي الحالي حول التصنيف يمكن أن يتم جزئياً وليس بشكل كامل، وهنا تكمن المشكلة، إن تصنيف الأصل بالإرهاب أكثر قوةً على المستويين القانوني والسيادي من تصنيف الفروع.
وفي تقصٍّ كتبه الصحافي غاندي المهتار في جريدة «النهار» حول التغلغل الاستراتيجي لجماعة «الإخوان المسلمين» في الولايات المتحدة لخصّ تقريراً صدر عن معهد دراسة معاداة السامية والسياسات العالمية (ISGAP) خلاصته: إنه لا ينبغي أن يُفهم نشاطها -أي الجماعة- في المقام الأول بصفته شأناً دينياً أو مدنياً بسيطاً، بل عملية «جهاد» تستهدف أسس الحضارة الغربية ذاتها، ينبغي التصدي له بكل الوسائل.
يدرج التقرير تغلغل «الإخوان» المؤسسي تحت «التطرف غير العنيف»، ويعرّفه بأنه «شكل معقّد من التهديد الذي يستغل الحريات الديمقراطية والمؤسسات القانونية والأطر الثقافية للنهوض بأهداف متطرفة، متجنباً إجراءات من شأنها أن تستدعي ردود فعل أمنية تقليدية، فيُستخدم التسامح والانفتاح الديمقراطيان لتنفيذ أجندة آيديولوجية لا تتوافق مع التسامح والانفتاح الديمقراطيين».
الخلاصة؛ إن موقف ترمب ضروري وأساسيّ. من الضروري تصنيف «الإخوان» في الغرب كله بوصفها جماعة إرهابية. من المعروف الدعم البريطاني لـ«الإخوان» في مراحل التأسيس، والإرباك الاجتماعي الذي تسببه الجماعة في فرنسا، والهجمات على بلجيكا، والنفوذ الشديد لهذه الجماعة في أميركا عبر لافتات خيرية تمثّل تهديداً للأمن القومي.
إن كل العمليات الإجرامية التي حدثت منذ عقود وُلدت آيديولوجياً من رحم جماعة «الإخوان»، والتحدي الرئيسي في تجريم «الإخوان» يكمن في مجاميع اليسار الذين يتعاملون معهم ويساندونهم.
الأهم أن عزم ترمب على موضوع التصنيف جدي ومهم، ربما يوقظ الأوروبيين من غفواتهم عن هذه الجماعة الإرهابية المارقة.