المغدور تشارلي كيرك، الذي قتل في مدينة أوريم بولاية يوتاه في الولايات المتحدة تحت نظر الجمهور ووسائل الإعلام الأسبوع الماضي، وعضو البرلمان البريطاني شارون هودسون التي حرق بيتها أيضاً الأسبوع الماضي، ظاهرتان فقط من مجموعة من الظواهر التي تنتشر في السنوات الأخيرة في المجتمعات الغربية التي تمارس الديموقراطية.
هودسون هي عضو حزب العمال البريطاني، انتخبت فقط في عام 2024 في مدينة في شمال إنجلترا، وهي نائبة رئيس لجنة أصدقاء إسرائيل. وعام 2024 قامت مع مجموعة من حزب العمال بزيارة لإسرائيل، وزارت مستوطنة كفر غزة، القرية القريبة من غزة، من أجل الاطلاع على تأثير الهجوم الذي وقع في 7 تشرين الأول. كتب على جدار منزلها قبل الحرق أنها تتحمل مسؤولية دم الأبرياء في غزة.
تشارلي كيرك، هو مواطن أميركي من الشباب، من مؤيدي الرئيس ترامب، وداعية نشطاً في اليمين الأميركي لإنشاء منظمة واسعة الانتشار تحمل اسم "العودة إلى أميركا". وأسباب مقتله بين رأيين متضاربين حتى الآن: من جهة موقفه تجاه الصراع في غزة، فهناك تقارير تقول إنه من المؤيدين لقيام إسرائيل بما تقوم به في غزة، وتقارير أخرى ظهرت أخيراً، تقول إنه بدأ يعيد التفكير في موقفه مما يحدث في غزة! كلا التحليلين يقول أصحابهما إنه ما أدى إلى مقتله، وقد نعاه (على غير المتبع) رئيس الولايات المتحدة!
من بين أسباب العنف المنتشرة في المجتمعات الغربية هو الاستقطاب السياسي الحاد، لأسباب متعددة منها الأوضاع الاقتصادية، ومنها الهجرة، ومنها الشكوك في الهوية.
وترفع بعض المجموعات شعارات "حرب النار بالنار"؛ فالانقسام بين اليمين واليسار، بسبب تلك العناوين أصبح حاداً ومتصاعداً في الشوارع. ومن بين أسباب انتشار العنف أيضاً فقدان الثقة بالمؤسسات السياسية القائمة، والأنظمة العامة، حيث يجد معظم الناس أن هذه المؤسسات لا تقدم لها ما وعدت به من شعارات عند الانتخابات العامة، مع انتشار الفساد والنفعية.
هل هناك تناقض بين استخدام العنف وبين الاتساع في سقف التعبير في هذه المجتمعات؟ حيث الافتراض أن اتساع سقف التعبير، يسمح بتداول خطاب عقلاني بين الأفرقاء، ولكنه في الحقيقة انقلب إلى تداول خطاب متطرف، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة على انتشار خطاب التطرف، وأيضاً العلنية السياسية في الكراهية ضد الآخر، المهاجر أو ذي اللون الداكن.
ضغط الفضاء الرقمي الذي ليس له حدود في المجتمعات الحديثة، أشاع كثيراً من وجهات النظر المتصارعة وسمح بتداول تعبيرات الكراهية علناً. وبما أن العالم أصبح يعيش في حجرة صغيرة، بسبب ثورة الاتصال، فإن النزاعات المختلفة تُسمع في هذه المجتمعات؛ فما يحدث من تدمير للبشر والأرض في غزة، يسمح بشكل كامل في هذه المجتمعات الغربية، حيث تنقل له المأساة كل مساء على شاشات التلفزة، مما ينتج ما تسميه بعض الكتابات "توسع الاستقطابات الحادة" حول هذا الموضوع، وموضوعات أخرى لها علاقة بالحياة العامة في هذه المجتمعات.
الحكومات الغربية تقف في موقف غير مبرر للكثير من هذه الجماعات الاستقطابية، فهي من جهة تدافع عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، أو هكذا تعلن، وفي الوقت نفسه تنتقد سياسات إسرائيل في غزة وفي الضفة الغربية، ولكن دون أخذ موقف حازم وعملي من ذلك.
ينظر لمفهوم العنف السياسي على أنه استخدام للقوة أو التهديد بها جسدياً أو رمزياً بغرض تحقيق أهداف سياسية، أو التأثير على العملية السياسية. ويشمل العنف المادي مثل القتل أو حرق الممتلكات، أو العنف الرمزي وهو خطاب الكراهية، ومحاولات التخويف ضد السياسيين أو مؤسسات أخرى مناهضة للسردية الرسمية.
منذ اقتحام مؤسسات دستورية مثل اقتحام الكونغرس الأميركي في 6-1-2021 وأعمال العنف السياسي تتصاعد، سواء في الولايات المتحدة أو في الدول الغربية الأوروبية، والحملات التي تقوم بها الحكومات الغربية لتخويف السياسيين أو تهديدهم بنشر الفضائح المعروفة عنهم في خلال شبكات التواصل الاجتماعي تضيف إلى النار حطبا.
ميكانيكية الديموقراطية حتى الآن لم تتوصل إلى آلية لخفض الاستقطاب، مما دعا الجمهور العام للمبادرة، فسارت على سبيل المثال، مظاهرة حاشدة السبت الماضي في شوارع لندن عنوانها "لنوحد بريطانيا"!!
العنف الداخلي لهذه المجتمعات يذكر العالم بالموقف الذي ساد أواخر ثلاثينيات القرن الماضي والذي مهد للحرب العالمية الثانية، فهل نحن على مشارف الثالثة؟