بقلم: عادل درويش
بدت جلسة المساءلة الأسبوعية البرلمانية لرئيس الوزراء كير ستارمر، وهو يؤكد ثقته باللورد بيتر ماندلسون، سفير بريطانيا في واشنطن، كإعادة للأربعاء سابقه، مع اختلاف الشخصية موضع الثقة، إذ جلست بجانبه يومها نائبته أنجيلا راينر كمحل ثقته. بعد 48 ساعة استقالت راينر. استغرق التراجع هذا الأسبوع 19 ساعة فقط، بإعلان حكومته إنهاء عمل اللورد ماندلسون سفيراً. همسات نواب من «العمال» للصحافيين بقلقهم من أسلوب زعيمهم في قيادة البلاد أصبحت تذمراً علنيّاً من بعضهم في برامج «التوك شو»، بعد اتضاح جهله (غفلة أو تغافلاً) بما نشرته الصحافة، الثلاثاء، من رسائل بعث بها ماندلسون، تدعم المليونير الأميركي الراحل جيفري إيبستين، بعضها بعد التحقيق معه ومحاكمته الأولى في 2008 بمخالفات أخلاقية وأخرى جنائية.
التساؤلات حول سوء تقدير ستارمر في اختياره لمن يحتلون مناصب هامة؛ هل اطلع على التقرير الأمني (الروتيني لتعيين السفراء) عن علاقة ماندلسون بالمليونير الأميركي، مع صور لماندلسون وهو يقضي عطلات في ضيافة إيبستين.
ماندلسون اضطر للاستقالة (كوزير آيرلندا الشمالية) من حكومة توني بلير في 2001، فيما بدا محاولة للتأثير على إدارة الجوازات (التابعة للداخلية) أثناء نظرها طلب جواز سفر بريطاني لصديقه الملياردير الهندي سيريشان هيندوجا، بينما مؤسسة الأخوين هيندوجا تتعرض للتحقيق بشأن صفقة أسلحة قبل عام 1990.
كما أن التغيير الوزاري الذي اضطر ستارمر لإجرائه الأسبوع الماضي جاء بمتاعب جديدة، فالحزب سينتخب نائباً جديداً للزعيم خلفاً لراينر. الانتخاب على 3 مراحل؛ انتهت الأولى الخميس، بتزكية نواب «العمال» مرشحتين؛ وزيرة المعارف بريجيت فيليبسون (175 صوتاً) ولوسي باول (117). باول غاضبة من إقالتها كالوزيرة البرلمانية (زعيمة الأغلبية)، جمعت توقيعات الوزراء المقالين ومساعديهم (23) وحلفائهم من النواب (35) والنواب المنتقدين لأداء ستارمر (59).
المرحلة الثانية، تزكيات 5 في المائة من لجان الدوائر الانتخابية والمنظمات والمرتبطة بها، قبل 27 من الشهر الحالي؛ يوماً واحداً قبل انعقاد المؤتمر السنوي للحزب في ليفربول، الذي يستمر حتى الأربعاء أول أكتوبر (تشرين الأول). المرحلة الثالثة الأربعاء التالي، يصوت كل أعضاء الحزب الحاملين لبطاقة عضويته حتى 23 أكتوبر. وبعد 48 ساعة تعلن النتائج.
ستارمر يدعم الوزيرة فيليبسون، أملاً بأن تحظى بدعم القواعد الشعبية، فالتعديل الوزاري وضع وزير الخارجية السابق دافيد لامي نائباً لرئيس الحكومة، فاصلاً منصبه الحكومي عن نيابة زعامة الحزب. نائب رئيس الوزراء منصب استحدثه رئيس الحكومة الأشهر السير ونستون تشرشل في 1942 ليشغله زعيم المعارضة العمالية كليمنت أتلي في حكومة الائتلاف الوطنية (1940 - 1945) أثناء الحرب العالمية الثانية. منصب خلق ليجنب رئيس الحكومة متاعب المعارضة وقت الحرب، وفي السلم؟ ليأمن الزعيم شرّ الأصدقاء من داخل الحزب قبل الخصوم، مثلما فعل جون ميجور في حكومته (1995 - 1997) مع مايكل هسلتاين، وتوني بلير في حكوماته الثلاث (1997 - 2007) مع جون بريسكوت الذي حظي بتأييد القواعد والاتحادات العمالية، كحال ستارمر مع راينر التي جمعت بين النيابيتين؛ الحكومة لمدة عام، والحزب لـ5 أعوام، كانت ابنة نقابي نشيط، وحظيت بدعم الاتحادات العمالية.
وزيرة المعارف فيليبسون المفضلة لستارمر وحلفائه (المتناقص عددهم) في كلمتها لمؤتمر الاتحادات العمالية هذا الأسبوع وعدت بدعم أكثر في قوانين عمل جديدة تميل الكفة لصالح العاملين، لكن لوسي باول تحظى بدعم أوسع بين قواعد الحزب، مثلما تبين من ردود فعلهم في لقاءاتها العديدة معهم، كممثلة لتيار يسار الوسط، ويدعمها منتقدو ستارمر داخل وخارج البرلمان، وأشهرهم عمدة مانشستر الكبرى، أندي بيرنهام، وكان وزيراً للصحة، وقبلها الثقافة والرياضة، وقبلهما الخزانة في حكومة غوردون براون العمالية (2007 - 2010) ومن يسار الوسط. الهمسات أيضاً ترشح بيرنهام كمتحدٍّ لزعامة ستارمر العام المقبل، وانتخاب باول كنائبة لزعامة الحزب سيكون خطراً على ستارمر الذي لا يثق به 68 في المائة من الناخبين، يمثلون 4 أضعاف من يثقون به رئيساً للحكومة في استطلاعات الرأي. ولا يزال أمام البرلمان يوما عمل، غداً وبعد غد، قبل عطلته 4 أسابيع لموسم المؤتمرات الحزبية. وإذا تقدمت المعارضة غداً بطلب استدعاء ستارمر أو نائبه للإجابة عما عجز عن توضيحه الأربعاء، ستكون لطمة جديدة عشية مؤتمر الحزب الحاكم.