بقلم : مصطفي الفقي
دعنا نتخيل لو أن جماعة الإخوان المسلمين لم توجد فى تاريخ المنطقة العربية والإسلامية بل والعالم أجمع، فهل كان غيابها يعنى تراجع تأثير المد الدينى بين الدول الإسلامية بدءًا من الشرق الأوسط وانطلاقًا من مصر باعتبارها دولة المنشأ لتلك الحركة الكبيرة التى أثرت فى الحياة السياسية والثقافية للمسلمين وشركائهم فى الأوطان؟، إننى أجزم هنا أن الصورة كانت ستختلف تمامًا وتقف عند حدود نداءات جمال الدين الأفغانى وبدايات تهاوى الخلافة العثمانية والتكالب على وراثتها من جانب الهاشميين والسعوديين.
فضلاً عن أصحاب العرش العلوى فى مصر خصوصًا مصر الملكية فى عهد الملك فؤاد، مع إضافة نسيج متداخل من أفكار محمد رشيد رضا وعبد الرحمن الكواكبى وعبد العزيز جاويش وغيرهم من المحطات التى غازلت الإسلام السياسى تحت مظلة الخلافة ثم بعد سقوطها مباشرة، إننا نتذكر الآن أن الخلافة الإسلامية كانت غاية تعشش فى عقول الكثيرين إلى أن أطاح الشيخ على عبد الرازق بتلك الأوهام بكتابه المهم والموجز «الإسلام وأصول الحكم»، فبرزت دعوة البنا فى مصر عام ١٩٢٨ بديلاً شعبيًا عن سقوط الخلافة الإسلامية رسميًا وإعلان أتاتورك ورفاقه قيام الجمهورية وتبنى توجهات علمانية من حيث الشكل، شيفونية من حيث المضمون، فقد تبنت الحركة الجديدة بعد سقوط الخلافة الإسلامية نهجًا يبتعد بشكل كبير عن الدولة الدينية ويسعى إلى التحديث بمعناه الواقعى كما عرفناه فى ظل التغيرات الجديدة.
وأنا أعتقد أن الإسلام السياسى كان سيظهر بالتأكيد من خلال بعض الملامح الجديدة، (فالهوجة العرابية) رغم أنها مصرية الجوهر إلا أنها إسلامية على الجانب الآخر، لذلك فإن دعوة حسن البنا قد جرى استقبالها بحفاوة من قطاعات كثيرة من المجتمع المصرى لا إعجابًا بها وإنما تطلع إلى غيرها، وعندما انتفض ثائر دنشواى مصطفى كامل فإن عداءه للمحتل الغربى كان مقترنًا بالمظلة الإسلامية حتى أنعمت عليه عاصمة الخلافة بالباشوية قرب احتضارها، لذلك فإن مظلة الحركة الوطنية المصرية كانت إسلامية هى الأخرى بالدرجة الأولى بخلاف الوضع فى الشام الكبير مثلاً حيث كانت الحركة القومية هناك عروبية بامتياز، ذلك أن المصريين كانوا يقاومون بريطانيا العظمى بينما كان الشوام يقاومون فلول الأتراك وبقايا الدولة العثمانية.
ولكن الأمر المقطوع به هو أن المائة عام الأخيرة لو خلت من الدور الذى لعبته الجماعة على الأصعدة المختلفة فى تاريخ مصر المعاصر فإننا نكون فى واقع أفضل من ذلك الصراع المستمر والصداع الدائم، إذ إن الحركة امتدت وتشعبت وسيطرت على كثير من السياسات العامة وطرحت مشروعًا إسلاميًا اختلف حوله المسلمون بين معتدل ومتطرف، وقد أكد المتطرفون أن التجربة ليست جديدة وأن الإسلام الحنيف لا يحتاج إلى وصاية، ثم اصطدمت الجماعة بالمملكة المصرية قبل الثورة كما تواصلت أيضًا بجماعات الإسلام السياسى المتفرقة فى أنحاء العالمين العربى والإسلامى بل وبين الأقليات المسلمة فى الدول الأوروبية والآسيوية، حتى إن أحد مؤتمرات التمهيد لاستعادة الخلافة جرى انعقاده مرة فى لندن وأخرى برعاية مسلمى الهند فى بلادهم، ولذلك فالظاهرة الإسلامية متجذرة، ولا أظن أن الرئيس الأمريكى الحالى ترامب مخلص فى رغبة إنهائها ولكنه يريدها فزاعة يسعى بها لترويض النظم بل وإرهاب المجتمعات المختلفة إذا اقتضى الأمر.