بقلم : فاروق جويدة
كانت لغة الحوار الراقى من أهم سمات الحياة الثقافية فى مصر، وكانت خلافات الرأى والمواقف تتسم بالموضوعية ولا تلجأ إلى درجة الاتهامات والتجريح .. اختلف طه حسين مع الأزهر وخرج على ثوابته، وشكك فى ثوابت كثيرة فى كتابه الشعر الجاهلى، وتمرد فى مستقبل الثقافة، وهاجم العقاد والمازنى، وأمير الشعراء أحمد شوقى، وكان هجوما ضاريا على شعره وشخصه..
اعترض خالد محمد خالد على حكم عبدالناصر، وسجن السادات أكثر من ألف شخص من رموز المعارضة مرة واحدة، وكان كتاب الإسلام وأصول الحكم ثورة أطلقها على عبد الرازق، وكتب الحكيم عودة الوعى حاكم فيه عهد عبد الناصر..
كانت روح المودة والتقدير تسود بين أصحاب الفكر حين انقسموا على أنفسهم، ولم نشهد تجاوزات فى حق رموز تاريخية، تطاول البعض عليها دون علم أو مرجعية، ورأينا أسرابا من الخفافيش تقتحم مقدسات الناس وثوابت دينهم عن جهل وسطحية، ودارت معارك حول الفتاوى تمس جوهر الدين، وأصبحت سجالاً للشهرة والمال على الفضائيات، ومن يدفع أكثر ويكون أكثر تحديا وشراسة.
إن تراجع لغة الحوار، واقتحام المحرمات، والتجاوز فى حق الرموز، والفتوى بغير علم، كلها ظواهر مرضية تتطلب تواضع العلماء، وحكمة الزاهدين، ومصداقية المعرفة..
ما يحدث الآن فى واقعنا الفكرى والثقافى والدينى خلط للأوراق، وامتهان للحوار، وغياب للشفافية، وعدوان على أقدس مقدساتنا.. إن أخطر ما أصاب لغة الحوار عندنا أنها كارثة النخبة والمثقفين والعلماء، وهى الفئات التى تمثل القدوة أمام الأجيال الجديدة فأى مستقبل ينتظر هذه الاجيال..
إن لغة الحوار تحتاج إلى مراجعة وموقف لأنها أساءت للغة الفن والشارع والأسرة وحتى قضايا الدين والمقدسات وفتاوى العلماء..