بقلم : سليمان جودة
لا معنى لما جرى قبل ساعات فى ثلاثة سباقات انتخابية أمريكية، إلا أن ما قيل عن أن الديمقراطية قادرة على علاج نفسها بنفسها كلام فى محله تمامًا.
فالقضية فى نيويورك مثلًا ليست أن المرشح زهران ممدانى فاز برئاسة بلدية المدينة بأغلبية كبيرة، ولا القضية أنه أول مسلم يتولى هذا المنصب فى نيويورك، ولا حتى إنه شاب فى الرابعة والثلاثين، ولكن القضية أنه ديمقراطى ينتمى إلى الحزب المنافس لحزب ترامب الجمهورى.
والذين تابعوا التفاصيل المثيرة فيما جرى يعرفون أن الرئيس الأمريكى استبق النتيجة وقال إنه سيقطع التمويل عن نيويورك إذا فاز ممدانى، ويعرف المتابعون أيضًا أنه هاجم المرشح الفائز أشد الهجوم، وقال عنه إنه شيوعى. ولكن هذا كله لم يفلح فى وقف التأييد الواسع الذى رافق ممدانى منذ البداية.
ولم يتوقف الأمر عند نيويورك ولا عند مرشحها الفائز، ولكن المسألة امتدت إلى ولاية ڤيرجينيا الملاصقة للعاصمة واشنطن، ففازت المرشحة الديمقراطية أبيجيل سبانبيرجر بمنصب حاكم الولاية. ولا بد أن ترامب قد راح يتطلع إلى فوزها فى قلق بالغ، ولا بد أن فوزها قد بدا له وكأنه نار تقترب من ثيابه!.
وما كاد ترامب يفيق من نبأ فوز ممدانى ومعه سبانبيرجر، حتى جاءه نبأ جديد بفوز المرشحة الديمقراطية ميكى شيريل بمنصب حاكم الولاية فى نيوجيرسى. وهكذا يتلقى الرئيس الأمريكى ثلاث خبطات فى الرأس مرة واحدة!.
كان الظن لديه منذ دخل مكتبه البيضاوى فى العشرين من يناير أن الدنيا قد دانت له، وأنه لا شىء قادر على الوقوف فى طريقه، ولا تعكير فوزه الكبير على المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس، وأن الديمقراطيين لن تقوم لهم قائمة قبل وقت طويل، فإذا به يفيق على ما لم يكن فى البال عنده ولا فى الخاطر!.
يبقى أمران أحدهما طريف من جانب ترامب والآخر مخيف له، أو للجمهوريين الذين يحكم هو تحت مظلتهم. أما الطريف فهو حديثه عن أن فوز ممدانى راجع إلى أن اسمه - أى اسم ترامب - لم يكن على بطاقات الاقتراع. وأما المخيف فهو أن ما شهدته السباقات الثلاثة يأتى وكأنه تمهيد لسباق آخر أهم وأخطر هو التجديد النصفى للكونجرس نوفمبر المقبل. فما حدث فى السباقات الثلاثة يقول إن صندوق الاقتراع فى معركة التجديد النصفى محجوز تقريبًا للديمقراطيين، وعندها سيفقد الجمهوريون أغلبيتهم الحالية، وسيصبح ترامب «بطة عرجاء» بالمعنى السياسى لهذه العبارة، وسيتنفس العالم الصعداء بعد أن أرهقه هذا الرجل كما لم يرهقه أحد.