بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا عيب فى أن يراجع المرء موقفًا اتخذه فى ظروف معينة، وبناء على معطيات معينة عندما تتبدل تلك الظروف. وينطبق هذا مثلاً على بعض من أيدوا ثورات الربيع العريى التى تفاءل بها كُثُر فى أجواء كانت مفعمة بأحلام جميلة. وإذا تحولت هذه الأحلام إلى ما يشبه الكوابيس فمن الطبيعى أن يراجع بعض من حلموا مواقفهم ويقل، فى المقابل، من يراجعون مواقف كانت مضادة لانتفاضات «الربيع العربي» ويتحولون إلى تأييدها. ويختلف الأمر فى حالات أخرى مثل الثورة الفرنسية التى كثر من راجعوا مواقفهم ضدها فى بدايتها، وتبنوا توجهات مؤيدة لها فى فترات لاحقة. ومن أبرز هؤلاء الأديب المعروف فيكتور هوجو مؤلف «البؤساء» و«أحدب نوتردام» وغيرهما من الروايات التى اشتهرت فى العالم، وتُرجمت إلى لغات عدة من بينها العربية. لم يرحب هوجو بالثورة الفرنسية، وتبنى موقفًا واضحًا ضدها عندما انحرفت نحو العنف وتصفية الخصوم، وتمنى عودة النظام الملكي. تغير موقف هوجو تدريجيًا فى سباق التحولات التى حدثت بعد عودة النظام الملكى فعلاً. وبلغ هذا التغير ذروته فى مطلع خمسينيات القرن التاسع عشر مع إعلان لويس بونابرت الامبراطورية وفرض حكم استبدادى جديد. ولم يكتف هوجو، فى تعبيره عن مراجعة موقفه السابق المضاد للثورة، بكتابات سياسية كان ينشرها بين حين وآخر. فقد أثرت هذه المراجعة فى بعض رواياته المتأخرة، ومنها رواية «ثلاثة وتسعون» التى لم تنل شهرة مماثلة لرواياته المعروفة فى العالم. تدور أحداث هذه الرواية فى العام الأكثر أهمية فى تاريخ الثورة (1793). فقد بدأ ذلك العام بإعدام الملك فى يناير بعد نحو أربعة أشهر من عزله وإعلان الجمهورية الأولى فى سبتمبر 1792. كما أنه العام الذى أُصدر فيه قرار إعداد نشيد وطنى جديد لفرنسا. وهو أيضًا العام الذى بدأ فيه الصدام العسكرى بين فرنسا الثورية وحلفاء نظامها الملكى السابق فى أوروبا مثل بروسيا والنمسا وإيطاليا وهولندا وغيرها. وقد عبر هوجو عن تعاطفه مع الثورة التى رفضها فى البداية فى ثنايا هذه الرواية بطريقة بديعة ومبدعة.