بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
استمتعت بنقاش مع شاب مجتهد يعمل باحثًا مساعدًا فى مركز «الأهرام» للدراسات السياسية والاستراتيجية حول العلاقة بين الأجيال وقضايا أخري. سألنى عن رأيى فى اعتقاد كثير من الباحثين الأقدم فى العلوم الاجتماعية بأن ملكاتهم البحثية أقوى من نظيراتها لدى الأجيال الأحدث. قلت إننى أوافقهم لسبب موضوعى لا يتعلق بقدرات هؤلاء وأولئك، وهو أن الباحثين من الأجيال الأقدم وجدوا صعوبات كبيرة فى إنجاز أبحاثهم. لا تُقارن هذه الصعوبات بما يواجه الأجيال الأحدث. لم تكن هناك شبكة «إنترنت» ولا محركات البحث مثل «جوجل» وغيره مما هو متاح الآن.
كان على الباحثين من الأجيال الأقدم أن يركبوا الصعب لإنجاز أبحاثهم. أذكر مثلاً أننى كنت أجوب المكتبات العامة بحثًا عن كتاب أو آخر إذا لم يتوافر فى مكتبة مركز «الأهرام». كانت مكتبات الجامعات ودار الكتب أماكن مألوفة لدى كثير من الباحثين الأقدم. فى المقابل يستطيع الباحث الآن أن يجد الكتاب الذى يريده إلكترونيًا خلال دقائق، بينما كان البحث عن كتاب قبل ذلك يستغرق يومًا كاملاً أو أكثر. وهذا مثال واحد للفروق بين بيئة عمل الباحثين من الأجيال الأقدم والأحدث. لم يكن فى إمكان الأقدم أن يستسهلوا، فلم يكن هناك شيء سهل فى عملهم. كما أن عدد الباحثين قبل أربعة وخمسة عقود كان قليلاً جدًا مقارنة بما صار عليه الآن. ولذا كانوا تحت مجهر قراء ومتابعين كُثُر. كان عليهم التدقيق إلى أقصى مدى إذا أرادوا نيل استحسان من يتابع أعمالهم. لا يوجد مثل ذلك الآن، الأمر الذى يحرم الأجيال الأحدث من نعمة نقد أعمالهم، ومن ثم دفعهم إلى مزيد من الإجادة. سألنى الباحث الشاب أيضًا عن النقاش الذى يحدث أحيانًا حول المدخل إلى البحث العلمى فى العلوم الاجتماعية، وهل هو الإطار النظرى أم المشكلة البحثية. قلت له إننى أبدأ البحث بتحديد المشكلة البحثية وأعدُّها بمنزلة المفتاح الذى أدخل بواسطته إلى منطقة البحث، ثم أستخدم أطراً نظرية بمقدار الحاجة إليها. والحال أنه قليل الآن مثل هذا الحوار بين أجيال مختلفة.