بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لم تكن المظالم الاجتماعية قد وصلت إلى المدى البعيد الذى بلغته الآن عندما قدم المفكر الأمريكى جون رولز نظريته فى العدالة. فقد طرح مفهومًا للعدالة كان جديدًا حين أصدر كتابه «نظرية فى العدالة – العدالة باعتبارها إنصافًا» عام 1971. وقصد به أن العدالة تتحقق عندما تنتج من اتفاق يحدث أو عقد يُبرم فى شروط تتصف بالإنصاف Fairness. ولذا يجوز القول إن هذه النظرية تنطوى فى أحد أهم جوانبها على تطوير لمفهوم العقد الاجتماعى، إذ تقوم على نظرة واسعة وعميقة للحقوق والحريات تتجاوز السطح السياسى وتنفذ إلى أعماق المجتمع وتسبر أغواره، فقد طرح تصورًا كان جديدًا أيضًا عن الطبيعة البشرية من خلال فكرة المواطنين الذين يتقدم المجتمع بعملهم معًا من خلال تنظيم التعاون بينهم. ولا تُجيز نظريته هذه التفاوت الشديد فى الدخول والثروات إلا عندما يُسهم الأكثر دخلاً وثروة فى النهوض بالفئات الأدنى فى السلم الاجتماعى إسهاما حقيقيًا.
كما قدم رولز أفكارًا حول المجتمع المنَّظم تنظيمًا مُنصفًا، والتعاون المجتمعى الخلاُق الذى يختلف عن تنظيم النشاط الاجتماعى على أساس أوامر صادرة من سلطة مركزية. فهذا التعاون يسترشد بقواعد يقبلها المتعاونون لأنها مفيدة لهم جميعًا وملائمة لتنظيم أعمالهم. لا يتسع المجال لتفاصيل نظرية رولز التى تبقى صالحةُ حتى اليوم بعد أن مضى عليها أكثر من نصف قرن. ومن أهم ما فيها أن فى الإمكان معالجة التفاوت الاجتماعى من خلال آليات توفر للأقل دخلاً إمكانية زيادة دخولهم عبر عملهم، ومن ثم تأكيد جدارتهم وليس الإشفاق عليهم. وقصد بذلك أن تكون الرعاية الاجتماعية مكملة للتوزيع المنصف للموارد وليست بديلاً عنه. وغاية رولز، فى كل ذلك، هى الوصول إلى مجتمع يقوم على تنظيم مُنصف للتعاون بين مواطنين أحرار متساوين. فقد أراد وضع أساس فلسفى وأخلاقى معقول للمؤسسات الديمقراطية عبر تطوير مفاهيم أساسية مثل المساواة والحرية، سعيًا إلى ما سماَّها عدالة النظام الديمقراطى.