بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لمفهوم التسامح تاريخ طويل فى الفكر الإنساني. اهتم به مُفكرون ومثقفون فى مراحل مختلفة. ولكن هذا الاهتمام ازداد وتوسع فى أوروبا فى القرن السابع عشر نتيجة وصول التعصب الدينى إلى مستوى أنتج حروبًا عنيفة فى أنحاء مختلفة من القارة. لم يكن جون لوك وحده من أعطى اهتمامًا خاصًا لمسألة التسامح خلال ذلك القرن بخلاف ما هو شائع. شاركه مفكرون آخرون مثل جون آدون، وروبرت فرجسون، ووليم بين، وجون همفري، وبيير بيل وغيرهم. ومن الكتب المهمة التى نُشرت فى تلك الفترة كتاب جون آدون الذى يمكن ترجمة عنوانه إلى «إنصاف الحق والبراءة» الصادر عام 1660. وفى هذا الكتاب رؤية واضحة لأخطار التعصب والعنف ورفض الآخر وشيطنته وتبرير الاعتداء على المختلفين. وفيه أيضًا دعوة إلى تقدير العقل والاستناد إلى أحكامه فى سلوك البشر ونظرتهم إلى الأمور. وكان هناك أيضًا كتاب بيير بيل «نقد عام لتاريخ الكلفانية» الصادر عام 1681. وفى هذا الكتاب تحذير مما سماه المؤلف جعل العالم مسرحًا داميًا للاضطراب والمذابح نتيجة تبرير الصراعات بين أصحاب العقائد والمذاهب والمواقف والآراء المخالفة. وفيه أيضًا تعبير مبكر عما يُسمى الآن ازدواج المعايير فى صيغة رفض ادعاء أن الأفعال التى يرتكبها أنصارى تعتبر بريئةً ولكنها تصبح جرائم إذا اقترفها آخرون. وهكذا حفل النصف الثانى من القرن السابع عشر بزخم فكرى فى مجال التسامح أسهم فيه مفكرون كُثُر. ولكن مازال جون لوك هو الأكثر شهرة فى هذا المجال. فقد طغى على من شاركوه دعوته إلى التسامح. وليس صحيحًا أنه كان وحيدًا لا ثانى له فى هذا المجال خلال تلك المرحلة.
وربما يعود ذلك إلى كتابه الذى تُرجم إلى كثير من اللغات وعنوانه «رسالة فى التسامح» ونُشرت طبعته الأولى عام 1689. تعتبر هذه الرسالة أشهر الكتابات التى عالجت مسألة التسامح رغم وجود كثير من الكتابات فى هذه المسألة.