بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
السوق عند الناس هى المكان الذى يبيعون فيه أو يشترون السلع. أما مفهوم السوق فيعنى الساحة الواسعة التى يتعامل فيها كل من يعملون ليس بالتجارة فقط، بل بمختلف الأنشطة الاقتصادية والمالية. ويعود أصل هذا المفهوم إلى المفكر الاقتصادى البريطانى آدم سميث فى القرن الثامن عشر، خاصةً فى كتابه الضخم ذى الأجزاء الخمسة «بحوث فى طبيعة ثروات الأمم ومسبباتها» الذى أُصدرت طبعته الأولى عام 1776. يبدو هذا الكتاب اليوم بسيطًا فى أفكاره التى مازال بعض الساسة والاقتصاديين مؤمنين بها. وأهم هذه الأفكار أن حرية السوق هى المدخل لزيادة ثروات الأمم، وأن المصلحة العامة تتحقق من خلال مجموع المصالح الشخصية للأفراد. ولكن رغم أن سميث كان مغاليًا فى دفاعه عن حرية السوق ونقده دور سلطة الدولة فى تنظيمها، فهو يبدو معتدلاً حين نقارنه ببعض رواد الليبرالية الجديدة وأنصارها. فالسوق الحُرة عندهم هى التى تضمن وجود مجتمع مدنى فاعل يستطيع تنظيم نفسه دون تدخل فى تفاعلاته. وهى أيضًا الساحة التى تتجسد فيها حرية البشر وتظهر فيها قدراتهم وملكاتهم. ويتمسك أنصار الليبرالية الجديدة بطروحاتهم التى لم يثبت معظمها. فعلى سبيل المثال ليس هناك ما يؤكد وجود علاقة طردية بين المجتمع المدنى ومجتمع السوق، أو وجود علاقة عكسية بين حرية السوق وتدخل سلطة الدولة لتنظيمها، طالما أنها لا تسيطر عليها. وأكثر من ذلك فهذا التدخل يبدو ضروريًا لحماية حرية السوق فى حالة حدوث احتكارات ثبت أنها تؤدى إلى تراكم الثروات على حساب هذه الحرية. وكما فى الحاضر كما فى الماضي. فلم يكن مفهوم السوق الحُرة عند سميث منسجمًا مع تجربة بريطانيا الناجحة فى زمنه. فقد انتفض البرلمان الإنجليزى ضد نظام الامتيازات الذى فرضه الملك وأدى إلى ظهور ما يُعرف اليوم بالاحتكارات التى كانت فى وقته، وفى كل وقت، حاجزًا أمام توسع النشاط الاقتصادي. فقد أدى نجاح البرلمان فى الدفع باتجاه التدخل لمواجهة تلك الامتيازات وما اقترن بها من احتكارات إلى إنعاش السوق بخلاف ما افترضه سميث.