بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
فى الحديث النبوى الشريف أن القضاة ثلاثة، واحد فى الجنة واثنان فى النار. لا يعنى هذا الحديث أن ثلثى القضاة سيكونون فى النار. لم يقصد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام ذلك كما نفهم من بقية الحديث الذى يفيد معناه أن القضاة الذين ينطقون بالحق سيكونون فى الجنة بغض النظر عن عددهم أو نسبتهم إلى إجمالى عدد القضاة. أما من قصد أنهم سيكونون فى النار فنوعان بغض النظر عن عددهم ونسبتهم. النوع الأول قضاة ينطقون بغير الحق وهم يعلمون ذلك، وقضاة لا يحكمون بالحق دون أن يدركوا ذلك فيهلكون حقوق الناس. والقضاة المقصودون فى الحديث الشريف هم كل من يحكم بين اثنين أو أكثر، وليس فقط من ينظرون فى القضايا المحالة إليهم فى المحاكم المختلفة. الحديث الشريف، إذن، يتعلق بالعدالة بوجه عام وفى مختلف جوانب الحياة والتفاعلات بين البشر. وهو يرمى إلى تنبيه كل من يتصدى للحكم بين الناس، سواء فى المحاكم أو فى جلسات عرفية أو غيرها، إلى صعوبة تحقيق العدالة ليكونوا حريصين على التدقيق الشديد فيما يحكمون فيه. تذكرت هذا الحديث بعد اطلاعى قبل أيام على تغطية لمحاكمة شاب صغير اتُهم بالقتل ومثل أمام إحدى المحاكم الأمريكية. وتُظهر هذه المحاكمة بوضوح شديد مدى صعوبة تحقيق العدالة. فقد اتُهم الشاب بالقتل ومثل أمام المحكمة التى تتكون من قاض وهيئة محلفين حسب النظام القضائى الأنجلو أمريكي. فقد اختلف المحلفون أشد الاختلاف رغم أن الأدلة المادية المقدمة من الادعاء تؤكد أن الشاب هو القاتل فعلاً. وتتطلب إدانة المتهم فى هذا النظام إجماع المحلفين. ولكن الوصول إلى هذا الإجماع كان شديد الصعوبة فى تلك القضية. وأذكر أنه فى التصويت الأولى اقترع المحلفون كلهم بأن المتهم مذنب باستثناء محلف واحد، ثم انضم إليه ثان اقتنع بتقديره للجريمة. واستمر الخلاف بين المحلفين الذين غير بعضهم موقفه أكثر من مرة ولم يصلوا إلى اتفاق، فحكم القاضى ببراءة المتهم. حقًا إن تحقيق العدالة من أصعب الأمور. وعلى كل من يتصدون للحكم بين الناس أن يدركوا ذلك ويعقلوه.