بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا تتعلق أسطورة إيكاروس المشهورة فى تاريخ الميثولوجية الإغريقية بقضايا العلم والتقنية فقط بل ترتبط أيضًا, بل أكثر, بمسائل الحرية والانعتاق من القيود. فيجوز النظر إلى الجناحين فيها كرمزين للعصافير, والطيور عمومًا، وليس إلى الطائرات فحسب. تعبر أسطورة إيكاروس عن نبوءة بشأن ابتكار الطائرات التى تنقل البشر والبضائع من مكان إلى آخر رغم أنه لم يكن فى اليونان القديمة ما يمكن أن يدفع إلى مثل هذه النبوءة. لم يفكر أحد أصلاً فى ذلك العصر فى إمكان أن ينتقل الإنسان من مكان إلى آخر طيرًا فى الجو. ولم يسجل التاريخ محاولة من هذا النوع إلا بعد ذلك بقرون عندما حاول العالم الأندلسى المسلم عباس بن فرناس (810 - 887)، الطيران بواسطة جناحين صنعهما. وسبق بذلك محاولة الإنجليزى بالمر المالمسبورى، التى لم توثق جيدًا ولا يُعرف عنها الكثير، الطيران بواسطة طائرة شراعية فى مطلع القرن الحادى عشر. استخدم ابن فرناس قدراته العلمية فى إجراء علمية حسابية للتناسب بين السرعة والرياح لدى صناعة الجناحين. ولكنه أغفل أهمية الذيل فى عملية الهبوط عندما طار بالجناحين فسقط وأصيب ولكنه تعافى من إصاباته.
أما الأسطورة الإغريقية فتروى قصة إيكاروس الذى كان محبوسًا مع والده ديدالوس فى أحد محابس جزيرة كريت بأمر من ملكها مينوس. وفى هذه الأسطورة كان الأب يصنع أجنحة من الشمع والريش لاستخدامها فى محاولة الهرب من الجزيرة. وعندما أعطى إيكاروس جناحين حذره من أن يطير بهما قريبًا من الشمس. ولكن حدث أن أُصيب إيكاروس بدوار أفقده القدرة على التحكم فى اتجاهه، مما أدى إلى اقترابه من الشمس التى أذابت حرارتها الشمع الموجود فى الجناحين فوقع ومات غرقًا.
ودلالة هذه الأسطورة القديمة أن البشر حلموا منذ القدم بالحرية والتحرر والانعتاق من القيود. فالطيران فيها يرمز إلى الانطلاق بلا قيود، كما يفعل العصافير والطيور التى تكره حبسها فى أقفاص. هكذا كان حلم البشر الذى لم يتحقق على مر العصور.