بقلم:أسامة غريب
انعكست الإخفاقات التى أحاطت بكل شىء فى حياة العرب على حالة الفكر والتعبير، لدرجة أن معظم من يكتبون بالصحف والمجلات العربية لا يقدمون سوى الخفة المملة. وهنا نجد أن الموهوبين عبارة عن قلة ضئيلة، وحتى أنصاف المواهب محدودة أيضًا. نفس القضايا والموضوعات التى شغلت الناس منذ الأربعينيات والخمسينيات ما زالت على المائدة العربية، وما زال يُعاد تدويرها دون اجتهاد، وربما الفارق بين كُتّاب زمان ومن يكتبون الآن أن الأولين كانوا يقرأون، كما كانوا يعرفون قواعد النحو والصرف والإملاء، على العكس من نجومنا الزاهرة فى الحقبة الحالية.
ومعروف أن السادة الموقرون كُتّاب المقالات والأعمدة لهم تكنيك معروف ومضمون، فهم لا يفعلون سوى أن يعيدوا على القارئ ما سبق أن قرأه فى صحف اليوم السابق.. فإذا غرق مركب فى النيل فإنهم جميعًا يتحدثون عن خطورة المراكب التى تعمل بلا رقابة وتحمل فوق الحمولة المقررة.. وإذا تصادم قطار مع أتوبيس كتبوا عن مشكلة المزلقانات التى تتسبب فى الحوادث بلا أمل فى الحل.. وإذا وقع حادث إرهابى فى سيناء أخذوا يسردون وقائع الحادث كما نقلتها الصحف مع بعض التحابيش الخاصة بالتنديد بالإرهاب والتحذير من التهاون معه.. وإذا وقع شغب فى مباراة كرة قدم رأيناهم ينقلون بالنص الخبر الذى تحدث عن الحادث مع امتداح المسؤول الذى يحبونه وتبرئته من المسؤولية، ومهاجمة المسؤول الذى لا يستلطفونه وتحميله المسؤولية.. وهكذا.
هناك مقالات عن أنفلوانزا الخنازير وأخرى عن أنفلوانزا الطيور، ومقالات عن العمارات التى تسقط فوق رؤوس سكانها وأخرى عن البناء على الأرض الزراعية، ومقالات عن مشكلة المرور، وأخرى عن رغيف العيش أو أزمة الأنابيب.. لغو فوق لغو، وحبر يملأ الورق وكأنه يلطخه، وأفكار مستهلكة ينقلونها من بعضهم البعض، وتعامل مستهتر مع المساحة وكأنها عبء يبغون التخلص منه. لا أحد –إلا قلة– يملك أفكارًا جديدة طازجة، أو لديه رؤية خاصة به أو يستطيع أن يتناول نفس الحدث الذى يكتب حوله الجميع بطريقة مختلفة فيها جدة أو طرافة أو عمق. وعلى الرغم من أن الصفحات التى يكتبون بها اسمها صفحات الرأى، والأعمدة التى يكتبونها اسمها أعمدة رأى، فمن النادر أن نقرأ لهؤلاء رأيًا حقيقيًا مستقلاً، لكن ما يكتبونه إما عبارة عن تعليق يروى ما حدث مع خلوه من الرأى، أو يتضمن رأيًا لكنه رأى تقليدى محافظ يضمن به إسعاد الجمهور الغافل الذى لا يريد أن يفهم قدر ما يريد أن يطمئن إلى أن كُتّابه الأعزاء يشاركونه تقديس شخصيات بائسة يعتبرها رموزًا لا تُمس، أو أن يكتب رأيًا لا يمثله وإنما يمثل أحدًا آخر ممن يتصور الكاتب الهُمام أنه سيسعد ويفرح بالكاتب الذى ينقل فكره الثاقب إلى القراء!. دائمًا الحفاوة والزهو بنفس الأغلال المتوارثة التى يسلمها جيل للذى يليه. وفى الحقيقة أن هذا الأمر كما أسلفنا غير مقصور على هذه الأيام، لكن تأثيره فى زمن غياب المناعة أشد وأنكى!