بقلم - ناصيف حتى
تشهد المفاوضات الأمريكية الإيرانية التى توقفت بعد لقاءات خمسة حالة جمود متوتر ومفتوح على احتمالات تصعيد كبير حامل لسيناريوهات مختلفة. يمكن احتضار الموقف الراهن كما يلي: من طرف إيران لا مفاوضات إذا لم يكن هنالك قبول أمريكى بحق إيران فى الاستمرار بتخصيب اليورانيوم على أراضيها. يقابل ذلك شرط أمريكى أو موقف غير قابل للتفاوض وقوامه رفض كلى لحق إيران بتخصيب اليورانيوم على أراضيها والذهاب نحو تسوية قوامها التخصيب المشترك مع دول أخرى فى الخليج ولكن خارج الأراضى الإيرانية. كان ذلك هو الشرط الذى أكدت عليه الإدارة الأمريكية (إدارة ترامب-٢). وقد كانت إدارة ترامب الأولى قد انسحبت من الاتفاق فى مايو ٢٠١٨.
دور الوسيط أو «المسهل» الذى عاد إلى تفعيله الثلاثى الأوروبى (فرنسا، بريطانيا، وألمانيا) بترحيب وتشجيع من طهران، وهو الدور الذى لعبه الثلاثى سابقا، وصل إلى حائط مسدود. يظهر ذلك من خلال «الإنذار» الذى وجهه الثلاثى إلى إيران بالعودة إلى «احترام التزاماتها» كأقصى حد فى نهاية شهر أغسطس القادم، والتهديد فى حال عدم حصول ذلك بإعادة تفعيل آلية العقوبات المنصوص عليها فى الاتفاق المعروفة بـ«آلية الزناد». اختيار نهاية الشهر القادم كحد أقصى من طرف الثلاثى الأوروبى مرده أن هنالك حاجة إلى شهر من الزمن بعد إبلاغ رئيس مجلس الأمن بهذا الأمر لاتخاذ ما عليه اتخاذه من إجراءات وبالتالى، كما قيل، يريد الأوروبيون القيام بذلك قبل تولى روسيا رئاسة مجلس الأمن التى تبدأ فى مطلع أكتوبر القادم. ولا بد من التذكير أيضا أن ذلك كله يجب أن يحصل قبل انتهاء العمل بقرار مجلس الأمن ٢٢٣١ بشأن الاتفاق النووى (ما عرف بخطة العمل الشاملة المشتركة) التى تم التوصل إليه فى يوليو ٢٠١٥ والذى تنتهى صلاحياته بتاريخ منتصف أكتوبر القادم. أطراف عربية رئيسية دخلت على خط الوساطة الغربية الإيرانية لتلافى الذهاب نحو صدام إيرانى غربى ستكون له دون شك تداعيات سلبية على المنطقة.
المنطقة التى تعيش فى مرحلة من الحروب، بأشكال مختلفة، وأخطرها الحرب الإسرائيلية المفتوحة فى الزمان والمكان كما نذكر دائما، والتوترات، كما تشهدها بشكل خاص سوريا اليوم، والتى يتداخل فيها الإقليمى بالداخلى والحاملة لتداعيات شديدة التعقيد وكذلك التغيرات المتسارعة والمترابطة بتأثيراتها على مستوى الشرق الأوسط. هل نشهد تصعيدا من الطرفين الغربى والإيرانى يكون بمثابة رسائل تفاوض قبل العودة إلى طاولة المفاوضات بتنازلات متبادلة لحفظ ماء الوجه كما يقال والذهاب نحو صيغة من التفاوض تسمح بشراء الوقت ومحاولة كل طرف تحسين أوراقه التفاوضية فى الإطار الزمنى الممكن. البعض لا يستبعد أن تأتى التفاهمات ضمن صفقات كبيرة تتناول قضايا خلافية أخرى. هل سنشهد حربا إسرائيلية ثانية على إيران بمشاركة أو عدم مشاركة من واشنطن كأحد السيناريوهات الممكنة أو غير المستبعدة، قبل العودة إلى المفاوضات، على أساس ترتيب يرضى الأطراف المعنية، بعد لعبة «عض الأصابع» الحاصلة حاليا. الواضح أن الملف النووى «الساخن»، هو العنصر الأساسى من حيث ثقله الضاغط فى إطار زمنى محدد الذى سيحدد مسار التطورات فى الإقليم وبشكل وازن.