«كل روح بريئة تُفقد تمثل مأساة»..
تخيلوا من الذى يمكن أن يقول هذه العبارة؟!
من دون أى شك أى إنسان سوى وطبيعى وعاقل ولم يرتكب أية جريمة، أو أى شخص يعمل فى مجال حقوق الإنسان يمكنه أن يقول هذه العبارة.
لكن الشخص الوحيد فى العالم الذى لا يمكن أن ينطق بهذه العبارة هو بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى أو أى من قادة ائتلافه الحاكم أو قادة جيشه العنصرى.
لكن المفارقة أن الذى قال هذه العبارة هو فعلا نتنياهو!! إذن المسألة تبدو أقرب إلى الكوميديا السوداء فحينما يتحول نتنياهو إلى واعظ يعظ عن الأرواح البريئة، فالأمر يدعو إلى السخرية والاندهاش، لأنه ومنذ ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وحتى يوم الخميس الماضى، أزهق بقرارات مباشرة منه أرواح أكثر من 58667 فلسطينيا وأصاب نحو 139974 آخرين، ناهيك عن المفقودين تحت الأنقاض، وتدمير نحو ٨٠٪، من مساكن ومنشآت قطاع غزة وتحويله إلى مكان غير صالح للحياة لسنوات طويلة.
لكن كيف تجرأ نتنياهو على هذا الكذب الفاجر لينطق بهذه العبارة؟!
ربما يكون السياق يكشف جانبا مهما من شخصية نتنياهو الإجرامية.
الجيش الإسرائيلى وفى سياق حرب الإبادة التى يشنها ضد قطاع غزة، ولم يستثن بشرا أو حجرا، قصف المستشفيات ودور العبادة والمدارس والمدنيين، خصوصا الأطفال والنساء، فقد ارتكب جريمة جديدة حينما قصف كنيسة دير اللاتين الكاثوليك أو العائلة المقدسة فى غزة يوم الأربعاء الماضى، ما أدى إلى مقتل ثلاثة أشخاص منهم الأب جبرائيل رمانيلى كاهن الرعية.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب اتصل بنتنياهو، وسأله عن الغارة فقال له الأخير «إنها تمت عن طريق الخطأ، وتأسف إسرائيل بشدة لسقوط ذخيرة طائشة على الكنيسة، وأن كل روح بريئة تُفقد تمثل مأساة، وأن إسرائيل ستجرى تحقيقا فى الأمر، وستظل ملتزمة بحماية المدنيين والأماكن المقدسة».
أما وزارة الخارجية الإسرائيلية فقالت فى بيان: «إسرائيل لا تستهدف الكنائس أو المواقع الدينية».
وتأسف لأى ضرر لحق بموقع دينى أو مدنيين غير متورطين!!!
هذا ما قالته إسرائيل، ورئيس وزرائها، ولا يعرف المرء هل يسخر أو يبكى أو يلعن أو يموت كمدا أم ماذا؟!
المحزن أن الرئيس الأمريكى لم يتصل بنتنياهو إلا لأن القصف طال كنيسة مسيحية، ولم يفعل ذلك هو أو من كان قبله حينما تم استهداف العديد من المساجد والمستشفيات وآبار المياه ومحطات الكهرباء، والأهم أنه لم يفعل ذلك حينما قتل نتنياهو أكثر من ٥٨ ألف شخص، على الأقل ثلاثة أرباعهم من النساء والأطفال وليس لهم صلة مباشرة بالمقاومة الفلسطينية.
هذا عن ترامب، أما نتنياهو الذى يتبجح بالقول إن كل روح بريئة تُفقد تمثل مأساة!!، فهنا إما أنه يكذب ويجامل ترامب، أو أنه يتعامل مع ٥٨ ألف فلسطينى قتل معظمهم بدم بارد على أساس أنهم أرواح شريرة غير بريئة، بل ربما باعتبار أنهم ليسوا بشرا فى الأساس.
علينا أن نتذكر أن ما فعله نتنياهو وأركان حكمه وجيشه هو جريمة مع سبق الإصرار والترصد، ففى أول يوم من العدوان يوم ٧ أكتوبر قال بوضوح: «ما سوف نفعله فى غزة سيجعلكم لا تعرفونها». وللأسف فقد صدق.
أما وزير دفاعه السابق يوآف جالانت المطلوب مع نتنياهو للمحكمة الجنائية الدولية، فقد وصف فى اليوم نفسه الفلسطينيين بأنهم «حيوانات بشرية»، ووزير التراث أميحاى إلياهو طالب بقصف غزة بالقنبلة النووية، وهو ما كرره لندسى جراهام عضو الكونجرس المعروف وصديق ترامب. أما العديد من الوزراء الإسرائيليين فقد اعتبروا أن كل فلسطينى ينبغى قتله حتى لو كان طفلا رضيعا، لأنه سيكبر ويتحول إلى مقاوم أو محارب ضدهم!!
ولا ننسى أن غالبية المسئولين الإسرائيليين منذ زرع إسرائيل فى المنطقة كانوا يقولون إن «العربى الجيد هو العربى الميت».
أظن أن مشكلة العرب والفلسطينيين مع إسرائيل لا تتعلق فقط بالاحتلال، بل أن الإسرائيليين لا ينظرون للعرب عموما والفلسطينيين خصوصا باعتبارهم بشرا لهم حقوق متساوية، وبالتالى يسهل شيطنتهم، خصوصا أن هناك العديد من المقولات التوراتية التى تحض على الاستهانة بـ«الأغيار» والمصطلح الأخير يشير إلى كل من هو غير يهودى.
نتنياهو يتألم ويحزن لمقتل كاهن مسيحى فى كنيسته بغزة، لكنه لا يشعر بأى ذنب لمقتل وإصابة نحو 200 ألف فلسطينى. أليس ذلك هو العبث فى أوضح صوره؟!