بقلم : عبد اللطيف المناوي
تحوّل هاتف دونالد ترامب الشخصى إلى إحدى أكثر أدواته الدبلوماسية إثارة للجدل، بعد أن أصبح وسيلته المفضلة لإجراء مكالمات مباشرة مع قادة العالم، متجاوزًا القنوات الرسمية والبروتوكولات التقليدية التى طالما التزمت بها الإدارات الأمريكية المتعاقبة. هذا النهج غير المسبوق، الذى يجمع بين الجرأة الشخصية والتخلى عن الطابع الرسمى، يقدّم نموذجًا مغايرًا للدبلوماسية الأمريكية، ويطرح تساؤلات جوهرية حول فعاليته.
منذ توليه منصبه المرة الأولى فى 2017، فضّل ترامب التواصل المباشر مع الزعماء عبر مكالمات هاتفية يجريها من هاتفه الشخصى، دون إعداد مسبق من وزارة الخارجية أو فريق الأمن القومى. فى بعض الحالات، كان يفاجئ مستشاريه باتصالات جرت فعلاً دون علمهم، كما حدث مع الرئيس التركى رجب طيب أردوجان، والرئيس الروسى فلاديمير بوتين، بل حتى زعيم كوريا الشمالية كيم يونج أون. تلك المكالمات، التى عادة ما كانت تُدار بروح ودية وبنبرة تفاوضية حادة فى آنٍ، كشفت عن أسلوب ترامب الخاص: اختزال السياسة الخارجية فى علاقة شخصية، وتحويل التعقيدات الدبلوماسية إلى مفاوضات مباشرة بين «رجال أقوياء» كما يقول.
ترامب لم يكن يخفى إعجابه بهذه الطريقة.. بل على العكس، كان يراها دليلاً على قوته الشخصية وقدرته على «إبرام الصفقات» مع قادة العالم. وقد أشار فى أكثر من مناسبة إلى أن تلك العلاقات الشخصية أنقذت العالم من أزمات، أو جنّبته صدامات، أو ساهمت فى خلق فرص جديدة، كما فى حالة كوريا الشمالية.. فهو يرى أن كيم «احترمه ولم يكن ليتجرأ على تصعيد نووى بوجود رئيس أمريكى لا يمزح». من وجهة نظره، هذا النوع من التواصل يحلّ محل المؤسسات، ويمنح القيادة الأمريكية مرونة وفعالية أكبر.
لكن هذا الأسلوب لا يخلو من المخاطر. فقد أثار قلقًا متزايدًا داخل المؤسسة الأمنية والدبلوماسية الأمريكية، التى رأت فى تجاوز القنوات الرسمية تهديدًا للأمن القومى. تجاوز المؤسسات يضعفها، ويُهمّش دور الخبراء، ويحوّل السياسات العامة إلى قرارات فردية مبنية على مزاج شخصى أو علاقة عابرة.
رغم الانتقادات، فإن هذا النمط من الدبلوماسية الشخصية أثبت، فى بعض الحالات، فاعلية لا يمكن إنكارها. فترامب استطاع من خلال اتصالاته أن يفرض نفسه كطرف مباشر فى ملفات حساسة، ويدفع خصومه إلى التفاوض وفق شروطه أو على الأقل إلى الحذر من رد فعله غير المتوقع. كان يرسل الرسائل قبل أن يستشير، ويتخذ المواقف قبل أن يُجمِع عليها فريقه. وبهذا خلق حالة من «الصدمة الاستراتيجية» جعلت خصومه يعيدون حساباتهم.
وبينما ينظر البعض إلى هذا الأسلوب كخطر على مؤسسات الحكم الرشيدة، يراه آخرون تعبيرًا عن عصر جديد فى السياسة الدولية، حيث تقلّ أهمية البروتوكول، وتتصاعد قيمة «الزعيم الفرد» القادر على فرض إرادته عبر الهاتف.