بقلم : عبد اللطيف المناوي
توقفنا أمس عند تأثير التراجع الإيرانى فى المنطقة كعامل ضغط على حزب الله. فى المقابل، تلوّح إسرائيل بخيار «الحسم» العسكرى، وتواصل غاراتها فى العمق اللبنانى، وتستهدف قيادات ميدانية للحزب. لكنها تدرك، كما يدرك الحزب، أن الذهاب إلى مواجهة واسعة يحمل كلفة عالية للطرفين. لذلك، يواصل الطرفان خوض حرب استنزاف محدودة، تحت سقف عدم الانزلاق إلى حرب شاملة.
هل السلاح عبء أم ضرورة؟ أظن أن هذا أحد الأسئلة الكبيرة الجديرة بمحاولة الاجابة عليها. فى تسريبات لوكالة «رويترز»، ناقش قادة حزب الله داخليًا أن السلاح تحوّل إلى عبء استراتيجى، وأن استمرار امتلاكه بالشكل الحالى يستنزف الحزب سياسيًا وشعبيًا ويعرضه للاستهداف المستمر. ومع ذلك، فإن أى تفكيك لهذه الترسانة يتطلب ضمانات أمنية وسياسية وإقليمية معقدة، يصعب تصور توفيرها فى ظل الوضع الحالى.
وفى ظل هذه الحسابات فإن السيناريوهات المحتملة أربعة سيناريوهات. الأول الاستمرار على الحال الراهن، وهو السيناريو الأكثر ترجيحًا فى المدى القريب، حيث يرفض الحزب التخلى عن سلاحه، وتستمر الضغوط الإقليمية والدولية من دون اختراق حقيقى، بينما يُستخدم سلاح الحزب كورقة تفاوضية على طاولة أوسع تشمل إيران والولايات المتحدة. السيناريو الثانى هو التسوية الجزئية، هذا إذا قبل الحزب بتسليم بعض الأسلحة الثقيلة، خصوصًا الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة، مقابل انسحاب إسرائيلى من النقاط التى حددها الحزب وتعزيز الجيش اللبنانى جنوب الليطانى، مع الحفاظ على أسلحة خفيفة لمقاتلى حزب الله بدعوى «الدفاع الذاتى».
أما السيناريو الثالث فهو الانفجار المحدود أو المواجهة بالوكالة. يُتوقع هذا إذا فشلت الجهود التفاوضية وتصاعدت الضربات الإسرائيلية، ساعتها قد تتطور الأمور إلى مواجهات محدودة أو حرب بالوكالة فى الجنوب، تستهدف تثبيت خطوط حمراء جديدة دون الانزلاق إلى حرب شاملة. والحرب الشاملة هو السيناريو الأسوأ، لكنه الأقل ترجيحًا حاليًا. قد تندلع الحرب إذا قررت إسرائيل تنفيذ عملية واسعة لنزع السلاح بالقوة، أو إذا ردّ حزب الله بشكل يفرض التصعيد.
هناك بُعد مهم هنا، الموقف الحالى ليس تعبيرًا عن أزمة سلاح بل هو انعكاس لأزمة الدولة فى لبنان. ما يتضح من المشهد أن لبنان لا يواجه فقط أزمة فى قضية سلاح حزب الله، بل يعيش أزمة أعمق فى غياب الدولة كمرجعية، وغياب الإرادة السياسية الجماعية لمعالجة ملف السلاح ضمن رؤية وطنية جامعة. وكلما طال بقاء هذا السلاح خارج الشرعية ازدادت احتمالات الفوضى، واتسعت الفجوة بين الدولة ومكوناتها.
التوقع أن حزب الله لن يُسلّم سلاحه قريبًا، لكنه يفتح باب المناورة وربما التنازل الجزئى، فى مشهد معقد تتداخل فيه خطوط النار والسياسة، بينما يبقى مصير السلاح مرهونًا ليس ببيروت وحدها، بل بقرار إقليمى يتجاوز حدود لبنان.