بقلم : عبد اللطيف المناوي
عندما كتبت يوم الاثنين ١٦ يونيو على هذه المساحة عن العلاقة بين ترامب ونتنياهو، وطرحت تساؤلًا يبدو للوهلة الأولى مشروعًا، وهو: هل نحن أمام خلاف حقيقى أم مجرد تقسيم أدوار؟ كنت أعلم، كما يعلم كثيرون بالمناسبة، أن ما بدا من تباعد بين الرجلين لم يكن سوى مشهد آخر من مشاهد السياسة التى اعتدنا عليها فى السابق، وأنه لا يعكس بالضرورة ما يدور خلف الكواليس من تفاهمات واتفاقات.
الآن، وبعد أيام من الضربة الأمريكية التى استهدفت مواقع إيرانية ذات صلة بالبرنامج النووى، بات المشهد أكثر وضوحًا، حتى لو تم نقل المواد اللازمة لتخصيب اليورانيوم إلى خارج تلك المواقع، أو لم يكن هناك وجود لمواد فى الأساس. إذ لا نتحدث عن تحرك أمريكى مستقل، بل عن تصعيد يبدو أنه نُسج بخيوط متشابكة مع ما جرى قبله من تحرك إسرائيلى.
والرسالة التى وصلت للجميع لم تكن فقط موجهة إلى طهران، بل إلى أولئك الذين ظنوا للحظة أن هناك تنافرًا بين واشنطن وتل أبيب، أو بين ساكنى البيت الأبيض ورئاسة الحكومة فى إسرائيل.
الذين تابعوا تتابع الخطوات، من التهديدات إلى الغارات إلى التصريحات، يدركون أن هذا هو ما يمكن وصفه بدقة بـ«تناغم الأداء السياسي». هناك تباين محسوب فى النبرة، وربما فى طبيعة الأدوات، لكنه تباين لا يعكس خلافًا فى الهدف، بل يُستخدم لترسيخ صورة مزدوجة؛ فإن إسرائيل تواصل دور الذراع الضاربة، والولايات المتحدة تحتفظ بموقع العقل المدبر القادر على المزج بين العصا والجزرة، والدليل أن الرئيس الأمريكى ترامب تحدث بعد الضربة مباشرة عن ضرورة البدء فى المفاوضات.
ولأن اللحظة تقتضى قراءة دقيقة، فإن ما جرى مؤخرًا يجب أن يُفهم ضمن منطق التحالف طويل الأمد، الذى يقوم على فهم متبادل بين ترامب ونتنياهو، أو بالأحرى بين أمريكا وإسرائيل. قد تختلف لهجات التصريح، وقد يختلف الأشخاص، لكن المرجعية واحدة، والمصالح متداخلة، والأدوات منسقة، وكل ذلك يُدار بحس استراتيجى لا يعرف العشوائية أبدًا.
ما كنت قد كتبته سابقًا لم يكن تكهُّنًا، بل محاولة لوصف ما لم يُقَل مباشرة. واليوم، نجد أن الوقائع نفسها باتت تنطق بما حاول البعض تجاهله أو التقليل من شأنه. العلاقة بين الرجلين – والدولتين – تجاوزت مرحلة المجاملة، وأصبحت نمطًا متكررًا من الشراكة فى إدارة الأزمات، وتوزيع الأدوار، واستخدام الضغوط بأشكال متباينة لتحقيق هدف واحد.
لذلك، فإن الحديث عن خلاف أو توتر بين ترامب ونتنياهو، فى ظل هذه التطورات، يبدو أقرب إلى تمنيات البعض منه إلى توصيف دقيق للواقع.
ما جرى فى الأيام الأخيرة ليس إلا تأكيدًا عمليًا على أن التناغم هو سيد الموقف، وأن ما يبدو من خلاف أحيانًا ليس سوى ستار يُستخدم لتعدد الرسائل وتوسيع هامش المناورة.
نعم، لا جديد، سوى أن الحقيقة الآن باتت أوضح لمن كان ينتظر دليلًا مباشرًا.