بقلم : طارق الشناوي
روح صديقى وائل الإبراشى سعيدة بعد حكم المحكمة برفض الدعوى التى أقامتها شقيقته لإلغاء وصيته بمنح الشقة التى كان يعيش فيها مع زوجته، إلى ابنتهما الوحيدة جيلان، بحجة أنه كتبها وهو يعانى من مرض الموت، وهو ما يبطل تنفيذ الوصية.
كان وائل قد أصيب بكورونا واقتحم الفيروس جهاز التنفس السفلى وأفسد الرئتين وظل وائل يقاوم بضعة أشهر، متشبثًا بالحياة ولديه أمل فى العودة لجمهوره، كانت زوجته السيدة سحر تسجل له بين الحين والآخر مقاطع قصيرة بصوته، إلا أن القدر كان أسرع وغادر وائل الحياة.
أعرف وائل منذ التسعينيات وأراه كصحفى أحد أهم المحققين الصحفيين، كنت أتابعه دائمًا بحب وشغف، وأرى فيه صحفيا استثنائيا، وكان هذا هو أيضا رأى الكاتب الصحفى عادل حمودة الذى كان منذ مطلع التسعينيات مسؤولًا عن روزاليوسف رغم أنه كان فعليا يشغل منصب نائب رئيس التحرير، إلا أن الاتفاق بينه وبين الأستاذ الكاتب الصحفى الراحل محمود التهامى، رئيس التحرير الرسمى، هو أن لدى عادل صلاحيات مطلقة فى النشر، وبديهى أن هذا الاتفاق خططت له الدولة أيضًا وقتها.
عندما اختلفت الدولة مع توجه عادل التحريرى فى روزاليوسف واضطر لكتابة استقالته، لم يكمل الأستاذ محمود التهامى بعده فى منصبه سوى بضعة أشهر قليلة.
كان وائل أحد أهم الصحفيين الذين رشحوا لرئاسة تحرير (روزاليوسف) فى زمن الأستاذ الكاتب الصحفى محمد عبدالمنعم، وكان المطلوب أن يكتب مقالين وليس مقالًا واحدًا لتأييد مشروع توريث الحكم لجمال مبارك، والحكمة كما ذكر لى وائل، أن مقالا واحدا من الممكن التراجع عنه ولكن مقالين من المستحيل الادعاء أنها غير مقصودة.
رفض وائل تلك الصفقة، تناقضت مع مبادئه ووصل إلى كرسى رئيس تحرير (صوت الأمة)، وكنت دائمًا فى كل تجارب وائل الصحفية يسند إلى مهمة كتابة صفحة ثم صارت اثنتين من القطع الكبير عن الثقافة والفن أسبوعيًا نحو ٨ مقالات مختلفة فى العدد الواحد ولا أدرى حتى الآن كيف حدث ذلك، وعلى مدى سنوات متتابعة.
وائل كان يمارس الصحافة باحتراف، منحها كل طاقته وعندما وجد نفسه غير قادر على الجمع بين عمله كمقدم برنامج (العاشرة)، تعود أن يشرف على كل تفاصيله، استقال وائل من الصحافة وكانت مصر تسهر يوميًا حتى الثالثة فجرًا تتابع وائل الإبراشى.
النجاح لم يزده سوى تواضع، وكان حريصًا دائمًا على أسرته الصغيرة زوجته وابنته، وأيضا أسرته الكبيرة أشقائه وتحديدًا شقيقاته، كل ما يمكن أن يوفره لهم يقدمه عن طيب خاطر، ظل بداخله هذا الشهم الجدع المحب والمعطاء، عندما شعر بخوف من غدر الأيام لم يكن يخشى الموت، كان فقط يشعر بالخوف على ابنته جيلان ١٤ عامًا.
مجتمع قاس وابنة تفقد سندها وظهرها ولا شىء من الممكن أن يعوض غياب الأب، لم يجد ما يمنحه لها، سوى أن يكتب باسمها المنزل الذى تعيش فيه مع والدتها، إنه الحد الأدنى الذى من الممكن أن يمنحه أى أب لابنته، دعوى للطعن فى الوصية أصابتنى بدهشة لأن من أقامت الدعوى هى السيدة شقيقته، وكنت أعلم أنها الأقرب إلى قلبه، وأبناؤها وكل أبناء أشقائه هم أبناؤه، يمنحهم كل ما يملك لإسعادهم، رجل يحمل كل هذا الحب فمن الأولى أن تأخذ القسط الأكبر من العطاء ابنته الوحيدة، ولم يحرم الآخرين من التركة فقط أراد لابنته أن تعيش معززة مكرمة فى بيتها، لا أتصور أن وائل فكر لحظة واحدة أن أقرب الناس إليه ستسعى لطرد جيلان وائل الإبراشى من الشقة!!.