كيف نفهم عناد «حزب الله» بشأن السلاح

كيف نفهم عناد «حزب الله» بشأن السلاح؟

كيف نفهم عناد «حزب الله» بشأن السلاح؟

 العرب اليوم -

كيف نفهم عناد «حزب الله» بشأن السلاح

بقلم : نديم قطيش

خرج الخلاف حول سلاح «حزب الله» في لبنان من دائرة الاشتباك الداخلي بين دعاة السيادة وأنصار «المقاومة»، ليتحوّل بعد حرب 2023- 2024 مع إسرائيل، إلى تعبير مكثّف عن أزمة وجودية تعصف بالحزب نفسه.

يدرك رئيس كتلة «حزب الله» البرلمانية النائب محمد رعد، حين يرفع شعار «الموت ولا تسليم السلاح»، أن أمام فريقه خياراً واحداً لا غير، هو التشبث بما تبقى من ترسانته؛ لأن التخلي عنها يعني انهيار بنيته السياسية والعقائدية دفعة واحدة.

ليست هذه المواقف مجرد عناد سياسي؛ فـ«حزب الله» -بحُكم تكوينه الآيديولوجي وارتباطه البنيوي بمشروع إقليمي - كيان جامد، غير قابل لأي تعديل جوهري في طبيعته. نُسجت قوته حول فكرة أن السلاح هوية؛ لا مجرد وسيلة.

في الواقع، لم يعرف اللبنانيون يوماً أي مشروع داخلي لـ«حزب الله»، في السياسة أو الاقتصاد، إلا ما يدور في فلك «المقاومة» ومقتضيات الصراع الإقليمي. وعليه فإن التخلي عن السلاح يعني إعادة تعريف الحزب من الصفر، وعلى نحو يتعارض مع طبيعته، ويتناقض مع سبب وجوده.

في ظل هذه البنية الجامدة، يمارس الحزب عناده، مراهناً على متغيرات تقارب حد الوهم، بداية من دوام ضعف الدولة اللبنانية، وعدم قدرتها على تنفيذ التزاماتها بشأن نزع السلاح، مروراً باحتمال الفوضى الإقليمية واهتزاز المعادلة السياسية الناشئة في سوريا، ووصولاً إلى الدعم الإيراني المستمر الذي عبَّر عن نفسه في مواقف حمائية لوجود الحزب وسلاحه على لسان أرفع المسؤولين الإيرانيين.

ولكن هذه الرهانات تبدو أقرب إلى الاعتماد على الحظ أو انتظار المعجزات؛ لأنها لا تقوم على مسارات يمكن للحزب أن يصنعها أو يديرها بنفسه؛ بل على أحداث وظروف خارجية تتآكل مع مرور الوقت.

فبعد سنوات من الانهيار، تتجه مؤسسات الدولة اللبنانية -ولو ببطء- نحو استعادة تماسكها وسمعتها ومصداقيتها، لدى شرائح لبنانية أوسع، ما يضعف سردية القدح والذم التي لطالما اعتمدها الحزب لتحدي مكانة الدولة، وتبرير وجوده.

وأما الرهان على الفراغ الاستراتيجي في سوريا؛ حيث يأمل الحزب أن تفضي أي فوضى جديدة إلى إعادة فتح مساحات الحركة أمامه، فتعاكسه معطيات ميدانية وسياسية تشير إلى انحسار الصراعات الجيوسياسية المفتوحة، وتثبيت خطوط النفوذ الإقليمي، بما يمنح الحكم في دمشق هامش استقرار أكبر.

حتى الدعم الإيراني الذي شكّل خلال عقود ركيزة وجود الحزب، يواجه قيوداً متزايدة بفعل أزمة اقتصادية خانقة، وانشغال النخبة الحاكمة بإعادة توزيع مراكز النفوذ في إطار التحضير الحساس لمرحلة جديدة، بالتوازي مع محاولة ترميم البنية العسكرية والأمنية التي تلقت ضربات إسرائيلية عميقة خلال حرب الـ12 يوماً. تفرض هذه الظروف على طهران إعادة ترتيب أولوياتها الدفاعية والمالية قبل زيادة الدعم لحلفائها، وفي مقدمتهم «حزب الله».

كل شيء يشير إلى أن الحزب يخوض معركة وجود بكل المعاني. وخلافاً لكثير من التجارب التي كان فيها التحول السياسي طوق نجاة، حافظت من خلاله فصائل مسلحة على نفوذها، فإن مأزق «حزب الله» الأعمق أنه لا يملك الشروط الموضوعية التي تعفيه من البقاء رهينة للسلاح.

الجيش الجمهوري الآيرلندي، رغم جذوره العميقة في الصراع مع بريطانيا، كان يتحرك ضمن قضية قومية محلية واضحة، هي توحيد آيرلندا، وحماية حقوق الكاثوليك القوميين. وفَّرت هذه القضية مرونة كبرى للتحول من مسار عسكري إلى مسار سياسي، وهو ما تحقق عبر «اتفاقية الجمعة العظيمة» عام 1998 التي ضمنت للجناح السياسي «شين فين» حضوراً قوياً في النظام.

والقوات الثورية الكولومبية، رغم انزلاقها إلى الاتجار بالمخدرات وتبديدها جزءاً من مشروعيتها، ظلت تتحرك في إطار أجندة داخلية مرتبطة بالصراع الاجتماعي والاقتصادي في كولومبيا، ما سمح لها بالدخول في اتفاق سلام، أتاح لها -ولو بفاعلية محدودة- موقعاً في الحياة السياسية.

أما «حزب الله»، فلم يمتلك يوماً قضية داخلية حقيقية يمكن أن تشكل أساساً لتحول سياسي. حتى قضايا السيادة ومواجهة الاحتلال، لم يتعامل معها كأهداف نهائية؛ بل كوسائل لخدمة وظيفته الإقليمية. هذا الارتباط العقائدي والبنيوي بمحوره وصورته كمكوِّن في صراع نفوذ إقليمي، يجعلان أي تغيير جوهري في طبيعته أمراً شبه مستحيل. فالتخلي عن السلاح لا يعني تعديل استراتيجيته فحسب؛ بل هدمَ مبرر وجوده نفسه.

وعليه، يبدو الحزب محكوماً بالاستمرار كما هو، بسلاحه ووظيفته العابرة للحدود، حتى وإن تعطَّلت، في انتظار تآكلٍ تدريجي قد يستأنف معه اهتراء مؤسسات الدولة نفسها، فيحوِّل لبنان من ساحة صراع سياسي إلى نموذج انهيار شامل، تدفع البلاد فيه الثمن مضاعفاً.

 

arabstoday

GMT 20:23 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

رسالة إلى سموتريتش: السعودية دولة تملك التاريخ والجغرافيا

GMT 09:55 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

يتيمة العصر

GMT 09:54 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك... المُطلق

GMT 09:52 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نحن وتاريخنا...

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ممرٌ ترابي في اتجاهين

GMT 09:47 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب ــ آسيا... بين المواجهة والتفاوض

GMT 09:46 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

«حماس» تفاوض على استبعادها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف نفهم عناد «حزب الله» بشأن السلاح كيف نفهم عناد «حزب الله» بشأن السلاح



رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 11:42 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
 العرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي
 العرب اليوم - اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة
 العرب اليوم - عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 11:02 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فائزة رفسنجاني تُثير الجدل مجدداً وتؤكد أن والدها تم اغتياله
 العرب اليوم - فائزة رفسنجاني تُثير الجدل مجدداً وتؤكد أن والدها تم اغتياله

GMT 12:36 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا
 العرب اليوم - إيلون ماسك يطلق موسوعة غروكيبيديا المنافسة لويكيبيديا

GMT 01:56 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس السوري أحمد الشرع يجتمع بمسؤولين سعوديين في الرياض

GMT 09:50 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نوارة الغزاوية... وفلسطين الدُمية

GMT 08:03 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

النفط يصعد بعد تراجع مخزونات الخام الأميركية اليوم الأربعاء

GMT 02:04 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاق سعودي - باكستاني على إطلاق إطار تعاون اقتصادي

GMT 14:47 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ساناي تاكايتشي تستعد لترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام

GMT 10:01 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

عمرو سعد يوجّه رسالة لمنة شلبي ويكشف عن مفاجأة

GMT 12:49 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يمتدح إيلون ماسك بعد خلاف طويل ويؤكد حبه الدائم له

GMT 07:03 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سريلانكا بين الجبال والبحار تجربة سياحية لا تُنسى

GMT 15:17 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

انفراجة دبلوماسية تسبق لقاء ترمب وشي جينبينغ في قمة آسيان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab