بقلم : رضوان السيد
تحملت دولة قطر ما لم يتحمله كثيرون في وساطاتٍ مشابهة. وعلى كل حل، ففي السنوات الأخيرة صار الوسطاء في الأزمات الكبرى قليلين وتقدم نصيبُ العرب في محاولات صنع السلام أو التخفيف من الأزمات. لماذا تراجعت الوساطات؟ تراجعت بسبب اضطراب النظام الدولي واتجاه الأطراف الكبرى والوسطى لتحقيق مصالحها الخاصة دونما أي اعتبار للحوار أو القدرات الذاتية أو قدرات الخصم. الاعتبار الأول هو لكسب الموارد والمجالات الاستراتيجية. لا بد أن نحسب لقطر أنها لم تتراجع عن وساطاتها بسبب الفشل في هذا الأمر أو ذاك، وحتى عندما تكون مقتنعةً بأن أحداً من الطرفين أو كليهما لا يريد السلام أو يطمح لتحقيق أهدافٍ أكبر وأكثر. ولطالما نجحت بسبب الإصرار والمتابعة في اجتراح مساحةٍ للتهدئة وإنقاذ الحياة. لكنّ الذي حدث في حرب غزة الأخيرة (2023-2025) لم يحدث مثله من قبل في أي حرب. فهجوم «حماس» الصاعق ما كان متوقعاً، كما لم يكن متوقَّعةً أكثر ردة الفعل الإسرائيلية الهائلة، والتي جعلت الاشتباك يتحول إلى حربٍ كبرى. فقد حدثت منذ عام 2007 (تاريخ انفصال «حماس» بغزة) أربعة اشتباكات قصيرة خسرت فيها «حماس» وحدث خراب كبير بالقطاع. وكانت الحصيلة دائماً وقفاً للنار بوساطة قطر ومصر، ولا دليل على أي نجاحٍ ملموس لـ«حماس» باستثناء البقاء في السلطة. لكنّ إسرائيل ظلت دائماً تفضّل «حماس» على أبي مازن والسلطة الفلسطينية برام الله.
وهذه المرة، كما سبق القول، انقلبت الموازين لدى الطرفين. فلا نعلم يقيناً لماذا قررت «حماس» القيام بهذه الغزوة البائسة، رغم تجاربها السابقة الخائبة. لكننا صرنا نعرف بالتدريج لماذا قررت إسرائيل الردَّ بهذه الطريقة الفظيعة. لقد قرروا أن الظروف مواتية في العهد الأميركي الجديد لإنهاء القضية الفلسطينية بالقتل والتهجير والتخريب الممنهج ومصادرة الأراضي وصنع المستوطنات. لكنهم أيضاً ما اكتفوا بذلك، فقد قرروا بعد ضرب الأذرع الإيرانية ضربَ إيران نفسها. ولم يكتفوا بذلك أيضاً بل قرروا تصديع الدول من حولهم! طوال الأزمة والحرب ظل مجلس التعاون الخليجي واقفاً وصلباً. جمعت السعوديةُ مع دول المجلس العربَ والمسلمين، فأوروبا والعالم، على هدفين محددين: وقف الحرب، وإقامة الدولة الفلسطينية. وبالغارة على قطر أرادت إسرائيل بلوغ عدة أهداف: تمديد الحرب بإلغاء الوساطة القطرية الفعالة، وقطع العلاقة التي بدأت تقوم بين «حماس» وإدارة ترامب، وتصديع العلاقة بين ترامب ودول الخليج. وحتى الآن استطاعت إسرائيلُ جرَّ أميركا وراءَها في كل مراحل حربها حتى ضد حلفاء أميركا في الخليج. كانت سردية ترامب: الاتفاقيات الإبراهيمية. أما إسرائيل فوضعت ذلك كلَّه وراء ظهرها وأرادت تارةً تغيير وجه الشرق الأوسط، وطوراً إقامة إسرائيل الكبرى! ماذا سيحدث الآن؟ الكرةُ الآن في ملعب أميركا. لأنّ قطر بالذات كانت وما تزال حليفاً لإدارة ترامب. وكل وساطات إنهاء الحرب الداخلة فيها أميركا وإسرائيل تحدث في الدوحة. وإذا كان المقصود إخراج «حماس» من قطر فقد كان الأمر في متناول اليد. لكنّ إسرائيل رمت عرضَ الحائط بكل المعايير والقواعد وحاصرت الجميع بما في ذلك ترامب! ومع ذلك ثمةَ مَن يتهم الولايات المتحدة بالمشاركة أو التواطؤ في الهجوم. والحق أنه لا بد لتوضيح موقف أميركا من أمرين اثنين: أولهما موقف أميركا من شكوى قطر في مجلس الأمن، ومن القمة العربية الإسلامية غدا في قطر . لقد صار واضحاً ما يطلبه العرب: وقف الحرب، وهو هدفٌ تعلن أميركا أنه هدفها أيضاً. والأمر الثاني: المسير في «حلّ الدولتين» باعتباره السبيلَ للسلم الدائم في المنطقة. وما يزال موقف إدارة ترامب غير واضح بسبب التأثر بالموقف الإسرائيلي وبعكس الإدارات الأميركية السابقة منذ اتفاق أوسلو عام 1993.
الهجوم على قطر خطير بكل المقاييس. ولذا من المنتظر أن يكون هناك موقف أميركي جديد، وموقف عربي أكثر صلابةً من أجل وقف الحرب، وحماية أمن الخليج والمنطقة.