بقلم : إنعام كجه جي
ليس هذا تقريراً عن فيلم من الأفلامِ، لكنَّه جولةٌ في العوالمِ السِّحريةِ التي يفتحُ لنَا الذَّكاءُ الاصطناعيُّ بواباتِها، الواحدةً بعدَ الأخرى. آخرُها هذه الممثلةُ التي تبشّرُنا بها هوليوود، وتقدّمُ لنا صورَها وأفلامَها وتصريحاتِها، وكلُّها من صنعِ الخَيال، أوِ الواقعِ العلمي. مخلوقةٌ افتراضيَّةٌ من شغلِ الذَّكاءِ الاصطناعيّ، جرَى تقديمُها للجمهورِ في مهرجانِ زيورخ السينمائي الشَّهرَ الماضي. وغداً، في مناسباتٍ أخرى، ستظهرُ هناك ممثلاتٌ أخرياتٌ من فصيلتِها، بحيثُ يَتحوَّلُ النُّجوم الحقيقيون إلى كومبارس.
يخافُ البشرُ الموجودونَ من لحمٍ ودمٍ على مهنهم وأرزاقِهم. نعيشُ حقبةً ولا في الأحلام. تطيرُ بنا فوقَ بساطِ ريحٍ أعتَى من قلقِ المُتنبّي، يحرّكه يميناً أو شِمالاً. سيظهرُ كاتبٌ اصطناعيٌّ ينشرُ الرواياتِ التي يبزّ بها الكتّابَ الحقيقيين. بل هو قد سبقَ تنبؤاتي وظهر. وهو قد يفوزُ بجوائزَ مثل «البوكر» و«غونكور» وحتى «نوبل». من يقبض قيمة الجائزة؟
لنتأمَّلْ ملامحَ تيلي نوروود، الممثلةِ الطالعةِ حديثاً من فرنِ الآلة. وفي بلادِي كانوا يصفونَ الرَّغيفَ الطَّازجَ بأنَّه مثلُ خبزِ بابِ الأغا: حارّ ومقصّب ورخيص. ذلك أنَّ المحروسةَ تيلي من صنعِ مخبزٍ، أو استوديو، تابع لشركةٍ بريطانية. والحقُّ يُقالُ؛ لا شيءَ ينقصُها. شعرٌ ينسدلُ بدلالٍ. بشرةٌ صافيةٌ، وجبينٌ عريضٌ، وعينانِ بلونِ السَّماء الغائمةِ، وابتسامةٌ مريحة. ممثلة ذات دفءٍ إنسانيّ يتسلَّلُ إلى المتفرّج ويأسرُ أحاسيسَه. كيفَ يمكن للآلةِ أن تنتجَ دفئاً بشرياً؟
يقول الخبراءُ إنَّ اختراعَ ممثلةٍ رقمية هو إنجازٌ يحتاج إلى إعادةِ تعريف مفهومِ الفن السَّابع. هي ليست من نوع النّجوم الراحلين الذين يُستعادون وفقَ تقنية الهيليوغرام. شاهدنا داليدا وأمَّ كلثوم تعودان إلى المسرح بعد رحيلهما، وتغنيان، وكأنَّهما حاضرتان بيننا. أليست تيلي نوروود من أشكال الوهم أيضاً؟
تثيرُ الصُّورُ المنشورةُ لها استغرابَنا ودهشتَنا، ولا نملك سوى أن نشعرَ بالتوجّسِ يسير جنباً إلى جنب مع الدَّهشة. ما الذي يخفيه الغدُ لأجيالِ أبنائنا وأحفادِنا من بعدنا؟ لن تكونَ لهم أنماطٌ تعليميةٌ مثل تلك التي تيسَّرت لنا. سيتوصَّلُ عفاريتُ المعلوماتيةِ إلى طريقة يزجون فيها بالمعلومات في رأس الكائنِ الحي بكبسة زرٍ، وحسب رغبتِه في التَّخصص. يبتلع طالبُ العلم حبةً فيصبح طبيباً. يتلقَّى حقنةً في العضل فَيُولد لنا رسامٌ مبدع. يُؤخذ العلمُ من أفواهِ الحواسيب فماذا عن التَّجارب والخبرات؟ ما قيمةُ نجارٍ لم يمسك الشَّاكوش ولم يدقّ مسماراً؟ لا يمكن للمعجبينَ بتيلي نوروود، حتى هذه اللحظة، أن يصافحوهَا ويلتقطوا الصُّورَ التذكاريةَ معها. هي ليست حقيقيةً، لكنَّ اختراعَها هو الثورةُ الحقيقية. ممثلةٌ لا تتقدّم في العمر، ولا تشيخ، ولن تضطرَّ إلى الاعتزال. يتابعُها جمهورٌ يكبرُ ويشيخ ويمضي، وهي مقيمةٌ في الغيمة.
أطرفُ ما قرأته عنها مقابلةٌ افتراضيةٌ أجراها معها الزَّميل محمد جلال. قالت له فيها إنَّها تحلمُ بالأوسكار، وتتمنَّى العملَ مع منى زكي.