بقلم : فاروق جويدة
فى حياته آثار كاتبنا الكبير توفيق الحكيم يوماً ضجة سياسية وثقافية وإنسانية حين أطلق صرخته فى كتابه الشهير عودة الوعى، انتقد فيه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، رغم أنه كان أقرب كُتّاب مصر له، وكان الوحيد الذى يزوره بلا موعد. فقامت الحياة الثقافية ولم تهدأ، وصمد الحكيم ولم يهتم بالهجوم الضارى الذى شنه الناصريون عليه، ومرت الزوبعة، وجاء خلاف السادات مع الحكيم حين أصدر بياناً مع عدد من المثقفين حول حالة اللا سلم واللا حرب التى تعيشها مصر بعد 67، ويومها قال السادات إن الحكيم أصابته الشيخوخة..
وكان الحكيم أول من كتب بعد نصر أكتوبر مقاله الشهير عبرنا الهزيمة، ويومها توسّط الأستاذ إحسان عبد القدوس لدى الحكيم ليكتب مقدمة أول دواوينى الشعرية أوراق من حديقة أكتوبر، وأرسل لى الرئيس السادات رسالة رقيقة حول الديوان مشيداً بدماء شهداء مصر..
كان كتاب عودة الوعى للحكيم صرخة ضد الاستسلام، وكانت انتفاضة عبرنا الهزيمة أغنية للنصر، وكان الحكيم يمثل ضمير الكاتب والمواطن الشريف فى غضبه وتقديره. وهذا هو الكاتب والمبدع الحقيقي: دعوة للعدل والحق، ومدافعاً عن الأرض والوطن فى وقت الشدة.
ولم يتغير موقف الحكيم حربا وسلاما، نصرا وانكسارا؛ بقى على عهده رافضا الهزيمة ومشيدا بالنصر، وفى كل الحالات كان يمثل ملايين المصريين الذين ضحوا من أجل كرامة مصر وانتصارها.. كان الحكيم صادقًا حين كتب عودة الوعى، وكان أكثر صدقًا حين كتب عبرنا الهزيمة. المهم أن آراء الحكيم، سلبًيا وإيجابًيا، كانت تنطلق من ضمير الكاتب، وهذا الضمير كان دائمًا يتمتع بكل التقدير، حتى لو اتفقت أو اختلفت معه. حين كان الضمير سيدًا كان العدل قيمة، وكان الرأى يمثل قيمة حتى لو اختلف الناس عليه. فى أحيان كثيرة يصبح الرأى ثقيلًا ومرفوضًا ولا مكان له، الزمان اختلف..