بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
لا يجد كثير من الناس جدوى للقرارات والآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية بشأن الجرائم المتنوعة التى يرتكبها الكيان الإسرائيلى فى فلسطين. وهم معذورون فى ذلك. لم يغير أى قرار أو رأى استشارى سابق شيئًا فى الواقع، وواصل الكيان الإسرائيلى جرائمه ووصل فيها إلى أبعد مدى غير عابئٍ بأى قانون ولا آبهٍ بأى قرار قضائى.
ومع ذلك لا يمكن إغفال الأثر الأخلاقى لقرارات محكمة العدل الدولية. صحيح أن الأخلاق صارت نادرة فى العلاقات الدولية الآن، بعد أن كانت قليلة فى مراحل سابقة. فالعالم يتفرج على الإبادة الجماعية دون أن يحرك ساكنًا. ولكن التعود على مشاهدتها لا يقل أهمية ما تُصدره المحاكم الدولية، بما فى ذلك القرار الجديد الذى سيخرج من محكمة العدل الدولية بشأن طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة رأيها الاستشارى حول السياسات والممارسات الإسرائيلية تجاه الأمم المتحدة ووكالاتها العاملة فى الأراضى الفلسطينية، فمن شأن هذه القرارات، معطوفةً على تقارير ومذكرات كثيرة تصدر من بعض منظمات الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية, أن تحدث تغييرًا مهمًا رغم أن أثره لا يظهر فورًا لأنه يتحقق بطريقة تراكمية، وهو إبطال مفعول خطاب الضحية الذى طالما استخدمه الكيان الإسرائيلى، وبلغ ذروة تأثيره فى الأيام التى أعقبت 7 أكتوبر 2023. فقد صدق كُثُر فى العالم معظم الأكاذيب التى أطلقها الكيان الإسرائيلى وحلفاؤه بفعل صدمة ذلك الهجوم. ولكن لم تمض أسابيع حتى بدأت أعداد متزايدة من الدول والمنظمات والهيئات فى إدراك الحقيقة أو جزء مُعتبر منها. وأسهمت قرارات محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية فى إظهار بعض جوانب هذه الحقيقة والتحرر من تأثير خطاب الضحية الإسرائيلى، الأمر الذى يُضعف تدريجيًا قدرة الصهاينة على استغلال «محرقة» اليهود فى الحرب العالمية الثانية. فالمقتلة المرئية بأم العين فى قطاع غزة أصدق إنباءً من الروايات المسموعة، خاصةً فى أوساط جيل جديد يُرجح أن يكون أقل تأثرًا بالأكاذيب الصهيونية. صحيح، إذن، أن العالم لا يحفل بالأخلاق إلا فيما ندر. ولكن قرارات العدالة الدولية البطيئة تحُدث تغييرًا ستظهر آثاره فى يوم قد لا يكون بعيدًا.