بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ليس كتابًا متناسقًا فى موضوع واحد، أو مواضيع عدة تربطها رابطة أو يجمعها جامع، بل نص يتضمن عددًا كبيرًا من الأفكار والآراء التى تبدو مشتتة. ومع ذلك فهو مُصنف ضمن أهم الكتب التى أُصدرت فى القرن الثامن عشر، وأبرز المصادر التى يُرجع إليها فى المسألة الديمقراطية. إنه كتاب «روح القوانين» أو «روح الشرائع» الصادر عام 1748 للمفكر الفرنسى شارل دى مونتسيكو الذى تحل هذا العام الذكرى السبعون بعد المائتين لرحيله عام 1755.
كان دى مونتسيكو وجان جاك روسو وحدهما بين مفكرى التنوير الأوروبى من اهتما بالمؤسسات الديمقراطية. فلم تكن هذه المؤسسات همًا أساسيًا لدى المفكرين الآخرين الذين انشغلوا بالدعوة إلى احترام الحريات الشخصية، وفى مقدمتها لديهم حرية الاعتقاد والتعبير عنه وتقييد سلطة الكنيسة فى هذا المجال. فقد أدرك مونتسيكو مبكرًا أن الحريات التى كانوا يبشرون بها لا يمكن ضمانها فى غياب ترتيبات مؤسسية محددة تقوم على الفصل بين سلطات الدولة. ويُرجع إلى كتاب دى مونتسيكو فى الأساس لأنه أول من وضع أساسًا للفصل بين سلطات الدولة التنفيذية والتشريعية والقضائية، وعدم تركز هذه السلطات فى جهة واحدة لتجنب إساءة استخدامها. ذلك أنه «لا يوقف السلطة إلا سلطة أخرى، ولا يتحقق هذا إلا عبر التوازن بين السلطات».
وهكذا يجوز القول إنه هو من وضع الأساس لنظرية فصل السلطات وتوازنها، وصاغ المبادئ التى تقوم عليها، بعد أن درس الكثير من تجارب الأقوام المختلفة حسب تعبيره. وخلص من دراستها إلى أن الآفة الكبرى فى أنظمة الحكم هى جمع السلطات فى يد واحدة. وأعطى اهتمامًا خاصًا لما يسميها حرية الأمة. فلا تتحقق هذه الحرية إذا اجتمعت السلطتان التنفيذية والتشريعية فى هيئة واحدة «حيث يضع الحاكم بنفسه قوانين جائرة وينفذها. كما لا تتوافر هذه الحرية إذا اجتمعت السلطتان التشريعية والقضائية حيث يصير المشرع قاضيًا. وتعد نظرية دى مونتسيكو, والحال هكذا, من أكثر النظريات التى أثرت فى تطور نظم الحكم والدساتير والقوانين فى العصر الحديث.