بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
هل يمكن التمييز بين التمرد والثورة وكيف؟ سؤال شغل غير قليل من المفكرين فى العصر الحديث، وتحديدًا منذ اندلاع الثورة الفرنسية الكبرى عام 1789. وجوابه ليس سهلا بسبب وجود ارتباط بين التمرد والثورة. ومع ذلك يبقى الفارق الأساسى بينهما هو أن التمرد حالة ذاتية قد تؤدى إلى فعل أو أفعال تعبر عنها، أو قد تبقى محصورة داخل المُتمرد، فى حين أن الثورة حالة موضوعية تحدث فى الواقع وتؤدى إلى تغيير قد يكون سلبيًا أو إيجابيًا. ولكن إذا صح أن التمرد هو بداية الطريق إلى الثورة، سواء كان المتمردون واعين بذلك أو غافلين عنه، أفلا يصح أيضًا وجود علاقة قوية بين التمرد ومثلٍ أعلى مرتجى أو مستهدف. سؤال يتطلب جوابه الكثير من التأمل والعودة إلى كتابات عن التمرد وأشكاله وتطبيقاته. ومن أبرز هذه الكتابات كتابان للفرنسيين ألبير كامو وجول فاليس. فالتمرد عند كامو يعبر عن شوق إلى العدالة. وفى كتابه «الإنسان المتمرد» الصادر عام 1951 رؤية واضحة مؤداها أن التمرد على الواقع يرتبط بمثل أعلى يُحلم به. فالمتمرد فى تصوره هو الذى يرفض أن يكون مُهانًا أو مذلولا، ويصر على أن ينال حقه. وحين لا تسعفه منظومة العدالة القائمة حين يلجأ إليها لا يسعه إلا أن يتمرد على الواقع الذى أنتج هذه المنظومة وغيرها، مما يجعل العدل صعب المنال ويؤدى إلى استشراء الظلم، فيجرف الشر فى طريقه كل خير يقابله. وكان كامو ممن يؤمنون بأن المثل الأعلى، الذى اعتبر أن العدل جوهره، يمكن تحقيقه عبر النضال السلمى بعيدًا عن العنف. ويختلف جول فاليس، فى كتابه «المتمرد» فى رؤيته للتمرد إذ لا يراه إلا عنيفًا يعبر عن صراخ شخص مقهور يبحث عن العدل والحرية. ولكن رؤية فاليس المغالية هذه تأثرت بشدة بالظروف التى أحاطته إذ طرحها فى خضم حرب 1870 بين فرنسا وبروسيا، وفى أجواء الثورة التى اندلعت بعيدها فى باريس «الكومونة» وكان مؤيدًا لها. فكان تأثره بها أقوى وأشد من تأثر كامو بثورة التحرر الوطنى الجزائرية التى كان من أبرز مؤيديها.