بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
هل ظهرت أوبئة وجوائح عندما كان الإنسان الأول يحيا حياة الطبيعة التى امتدت أزمانًا طويلة؟ وهل وجد البشر فى تلك الأزمان أنفسهم ذات يوم أو آخر تحت وطأة جوائح أو أوبئة أو حروب مدمرة؟ وكيف تعاملوا مع أوبئة ربما ظهرت فى مرحلة أو أخرى من مراحل حياة الطبيعة الأولي؟
هذه، وغيرها، أسئلة من وحى صعوبات متزايدة تواجه البشر فى عالمنا، وتدفع البعض إلى تحميل أنماط الحياة الحديثة المسئولية عن معاناتهم، فيما يبدو حنينًا إلى حياة الطبيعة سواء بوعي، أو على الأرجح بلا وعي.
ويُعيدنا التفكير فى شرور الحياة الحديثة، ومقارنتها بما نتصوره عن فضائل حياة الطبيعة، إلى سجالات فكرية متكررة منذ قرون أهمها السجال بين اثنين من أبرز مفكرى عصر التنوير، وهما جان جاك روسو ولورن دالامبير فى خمسينات القرن الثامن عشر.
كان ذلك السجال حول فن المسرح، الذى رآه روسو خطرًا لأنه قد يُزَّيف وعى من يشاهدون الأعمال المسرحية، بسبب ضعف حالة الوعى العام فى ذلك الوقت. وكان دالامبير، على العكس، مؤيدًا للفن المسرحي، ومؤمنًا بأهميته.
لم يكن روسو رجعيًا بخلاف انطباع شائع عنه، بل قلقًا من أن يُحّول المسرح الكوميدى تحديدًا الجمهور إلى دُمى يتلاعب بهم صانعو الأعمال المسرحية، عبر السيطرة على عقولهم. وعندما نتأمل ما يحدث الآن فى عصر الثورة الرقمية، وسهولة التلاعب بالعقول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتنامى إمكانات مراقبة حركة الإنسان عن طريق هاتفه المحمول، نجد أن روسو كان مُحقًا ليس فى رفضه المسرح الكوميدي، ولكن فى قلقه من إخضاع الإنسان الذى سعى إلى تحريره وإطلاق عقله.
غير أنه كثيرًا ما يُساء فهم بعض أفكار روسو بسبب إشادته بحياة الطبيعة الأولي، التى تصور أنها كانت حياة هدوء وسلام, بخلاف من تخيلوها حياةً موحشة و وحشية. ومن يعرف، فربما يزداد حنين البشر إلى حياة الطبيعة الأولى فى العقود القادمة أكثر من أى وقت مضي، بمقدار ما يبدو لهم أن صراعات الحياة الحديثة وحروبها وأوبئتها تزداد على حساب محاسنها وفوائدها ومباهجها.