بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
فى تفسير التغيير الذى تحدثه سياسات إدارة ترامب فى النظام الدولى لا يمكن إغفال أثر القلق من ازدياد قدرة دول كبرى أخرى على الاستفادة من قواعد هذا النظام. هذا هو فحوى تعليق د. سميح علاوى على اجتهاد 12 يوليو الحالى «ممدانى وترامب». فقد حققت الولايات المتحدة أقصى استفادة من قواعد النظام الدولى الذى لعبت الدور الرئيسى فى بلورته بعد الحرب العالمية الثانية, واستخدمت هذه القواعد لتحقيق مصالحها وخاضت فى ظلها حربًا باردة ضد الاتحاد السوفيتى السابق ومعسكره. ومكَّنها الفوز فى تلك الحرب من اعتلاء قمة النظام الدولى منفردة اعتمادًا على القواعد نفسها. ولكن ما يحدث اليوم أن قوى كبرى أخري، خاصةً الصين، تمكنت من تطوير أدوات مناسبة للاستفادة من قواعد النظام الدولي، فتوسع اقتصادها وتنامت قدراتها العسكرية. ويبدو أن هذا التطور هو ما يؤدى إلى سعى إدارة ترامب، والمؤسسات الأمريكية عمومًا، لإضعاف القواعد التى تمكنت الصين وغيرها من استثمارها والاستفادة منها. وهكذا تنامَى فيما يبدو قلق واشنطن من أن يكون استمرار قواعد نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية أكثر فائدة للصين, فشرعت إدارة ترامب فى إضعافها، فمؤدى سياسات هذه الإدارة أنه يحق للولايات المتحدة أن تفعل ما تشاء حين تقتضى مصالحها ذلك فى إطار شعار «أمريكا أولاً». فالحق، إذن، هو ما يُحقق المصالح الأمريكية، وليس ما تفرضه القواعد القانونية للنظام الدولي. فإذا أرادت ضم منطقة ما مثل جرينلاند فهذا هو الحق، وليس مبدأ عدم الاستيلاء على أراضى الغير. وإن رغبت فى تهجير الفلسطينيين من وطنهم فهذا حق لها، وليذهب القانون الدولى إلى الجحيم. ويعنى هذا أن الولايات المتحدة تحاول إدامة هيمنتها على النظام الدولى عبر كسر قواعده القانونية. وربما تستطيع ذلك فعلاً، ولكن إلى حين. فالنظام المنفلت من القواعد القانونية يُمكَن أى دولة من أن تفعل ما تريده مثل الولايات المتحدة. والموقف الحذر الذى تتخذه الصين وروسيا ودول كبرى أخرى اليوم قد لا يستمر غدًا. ولذا فالأرجح أن الهيمنة الأمريكية القائمة على إضعاف قواعد النظام الدولى قد تكون قصيرة المدى.