بقلم:د. وحيد عبدالمجيد
لرئيس الدولة، كما لأى موظف عام، صلاحيات محددة فى النظام الديمقراطى، أو الذى يُدعى أنه كذلك. يقوم هذا النظام نظريًا على توازن بين السلطات ومن يتولونها لضمان عمل المؤسسات بطريقة تحقق المصالح العامة. يتعرض هذا التوازن أحيانًا لاختلالات, ولكنه يستطيع تجاوزها أو هذا هو المفترض. لكن الوضع الآن مختلف فى بعض الدول الغربية . ويبلغ هذا الاختلاف مستوى غير مسبوق عندما يتصرف رئيس دولة ديمقراطية كما لو أنه امبراطور. تراه يتجاوز المؤسسات الديمقراطية، ولا يعبأ بها، ويهاجم وسائل إعلام لا يعجبه محتوى ما تقدمه، وينفرد باتخاذ القرار حتى فى أمور يفرض الدستور عليه أن يعود فيها إلى مؤسسة أو أخرى. كما يُهمِش البرلمان ويتعالى عليه وينتهك الدستور فى ممارسات لم يكن متصورًا أن تحدث فى دولة ديمقراطية عريقة. تنطوى هذه الممارسات على طابع امبراطورى مبطن وليس صريحًا بخلاف ما حدث فى بداية التطور الديمقراطى فى الغرب حين تحولت نظم ديمقراطية إلى امبراطورية بشكل كامل. فعندما أراد نابليون بونابرت مثلاً التصرف كحاكم مطلق قام بتحويل النظام الديمقراطى إلى امبراطورى، وأعلن نفسه امبراطورًا عام 1804، وحصل على هذا اللقب فى اجتماع عقده مجلس الشيوخ فى مايو من ذلك العام. وتضمن قرار هذا المجلس مبدأ الامبراطورية الوراثية، وجاء فيه: «إنه لمشهد رائع أن تختار الأمة لنفسها المؤسسات الأكثر ملاءمة لمجدها»!!
وتكرر ذلك المشهد ولكن بشكل مختلف عام 1852 عندما أعاد لويس بونابرت إنتاج ما فعله عمه عام 1804 وأعلن نفسه امبراطورًا. ولكنه حصل على لقب الامبراطور فى استفتاء عام أُجرى فى نوفمبر 1852 على وثيقة نصت على استعادة الامبراطورية التى أسسها نابليون بونابرت عام 1804 بدعوى تحقيق العدالة والسلام الدائم. والمهم أن فرنسا كانت دولة ديمقراطية فى المرتين اللتين تحول نظام الحكم فيهما إلى امبراطورى.
وبعد ما يقرب من قرنين يحدث مثل هذا التحول فعليًا فى دول ديمقراطية غربية دون تغيير نظام الحكم فيها عندما يتصرف الرئيس كما لو أنه امبراطور. أفلا يعنى هذا أننا إزاء ما يمكن أن نسميها رئاسة امبراطورية؟.