بقلم : مصطفي الفقي
فى مساء الثانى من أغسطس عام ١٩٩٠ توجهت إلى مكتبى بمؤسسة الرئاسة كسكرتير للمعلومات والمتابعة للرئيس الراحل مبارك ومضت الساعات هادئة حتى منتصف الليل فقررت مغادرة المكتب، ولكن قيل لى إن جرس الهاتف يدق –ولم يكن المحمول متداولاً أيامها ولا وسيلة اتصال متاحة للجميع – فعدت للمكتب لأتلقى مكالمة من السفير سعيد رفعت سفير مصر فى الكويت حينذاك –أطال الله فى عمره – يخطرنى بخبرٍ صاعق وهو أن القوات العراقية قد اقتحمت الأراضى الكويتية وأن هناك غزوًا كاملاً للكويت وأن أحد أفراد الأسرة الحاكمة قد استشهد دفاعًا عن بلده بل إن العراق يعلن ضم الكويت كولاية عراقية وأن الأمر يتدهور بسرعة حتى إن أمير الكويت قد غادر البلاد قاصدًا مدينة الطائف السعودية ليدير الموقف من هناك، وطلب منى السفير رفعت أن أتصرف على ضوء هذه المعلومة والساعة تقترب من الواحدة صباحًا، وجلست إلى مكتبى أفكر فى كيفية إبلاغ الرئيس بهذه المعلومة الخطيرة فإذا بى أتلقى مكالمة ثانية من زميل دراستى السفير عبد الرزاق الكندرى سفير الكويت فى القاهرة يخطرنى فيها بالخبر ويبدى انزعاجه الشديد لما جرى خصوصًا وأن علاقتى به كانت زمالة فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة قبل تخرجنا منها عام ١٩٦٦، تذكرت كل تفاصيل الليلة عندما بلغنى من الكويت نبأ رحيل الكندرى الذى كنت أتواصل معه أحيانًا على مر السنوات الماضية، أعود إلى تلك الليلة الليلاء حيث تلقيت أيضًا اتصالاً هاتفيًا قاطعًا من اللواء أركان حرب الغاياتى مدير إدارة المخابرات الحربية المصرية حينذاك وهو يزجى إلىَّ ذلك الخبر الذى كنت قد علمت به ولكنه أضاف بأنه ينصح بحكم موقعه بإبلاغ الرئيس فورًا وإيقاظه من نومه، وهكذا وجدت نفسى أمام تعليمات صريحة من مسؤول عسكرى كبير بالدولة المصرية، فرفعت سماعة الهاتف واتصلت باللواء مدحت صدقى الذى كان سكرتيرًا خاصًا للرئيس مبارك حينذاك، وقلت له إننى أريد أن أتحدث إلى الرئيس مبارك هاتفيًا الآن وفورًا، فأبدى دهشته وقال لى سوف أفعل ولكن الأمر على مسؤوليتك بالدرجة الأولى ودق جرس الهاتف يطلب الرئيس بالخط الداخلى الذى يربط سكرتارية المكتب بحجرة الرئيس فى منزله، وللحظات لم يرد الرئيس فى البداية، فقلت له دعنا ننتظر قليلاً، ولكن اللواء مدحت قال لى لا إن الطلقة قد خرجت، وبعد ثوانٍ سمعته يقول للرئيس بصوت واضح أن الدكتور مصطفى الفقى يريد أن يتحدث إلى سيادتك الآن، ووجدت نفسى فى مواجهة الرئيس الذى قال لى ماذا جرى، فقلت له إن صدام حسين قد غزا الكويت كما كنا نتوقع، قال لى تقصد حقل الرميلة المتنازع عليه بين الدولتين، قلت له إن المسألة أكبر من ذلك بكثير وأننى تلقيت اتصالين هاتفيين من السفيرين المصرى والكويتى وكذلك من مدير المخابرات الحربية المصرية، فأبدى الرئيس تعجبه وقال لى إنها بداية صعبة لمرحلة خطيرة، وطلب منى أن أواصل التعامل طوال الليل من مكتبى وأن أبلغه بكل جديد، وما هى إلا لحظات حتى دق جرس الهاتف فإذا المتحدث هو الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة العربية السعودية الذى كان فى القاهرة يحضر مؤتمرًا لوزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامى (المسماة منظمة المؤتمر الإسلامى حينذاك) وهو يقول هل بلغ الرئيس النبأ، فقلت له نعم، فقال لى أوصلنى به، وفعلًا تم ذلك وحمدت الله أننى أبلغت الرئيس أولاً لأنه لو كان قد علم بالخبر من مصدر خارجى ولم يخطره به مكتبه للمعلومات لكان الموقف صعبًا بالنسبة لى، وجدير بالذكر أن الرئيس امتدح تصرفى فى صباح اليوم التالى وبدأت معركة طويلة على حدود المشرق العربى مازالت آثارها باقية حتى اليوم!