بقلم: مصطفي الفقي
للدولة المصرية رصيدٌ تاريخى حافل من الشخصيات المرموقة والكفاءات العالية على امتداد تاريخها والذين وصلوا إلى إدارة عدد من المنظمات الدولية وتمكنوا من ترتيب أوضاعها، بل والنهوض بها على نحو مشهود، أقول ذلك بمناسبة الفوز الكاسح الذى حققه المصرى المتميز الدكتور خالد العنانى للوصول إلى منصب مدير عام اليونسكو، وهى منظمة دولية نخبوية للفكر والمعرفة والتراث وشعبية فى التعليم والثقافة والفنون، وقد تذكرت البدايات منذ عبدالحميد باشا بدوى فى مؤتمر مونترو لإلغاء الامتيازات الأجنبية عام 1937، وجهود محمود فهمى النقراشى باشا والدكتور محمد صلاح الدين فى أروقة الأمم المتحدة طلبًا للجلاء الكامل وتأكيدًا لسيادة مصر أم الدنيا، أتذكر ذلك كله وأستعرض السلسلة الذهبية المشرقة التى يقف على قمتها اسم دكتور بطرس بطرس غالى الذى احتل أكبر منصب دولى فى العالم المعاصر أمينًا عامًا للأمم المتحدة، وكان شجاعًا وصاحب رأى ومبدأ، مبشرًا بأجندة السلام، داعيًا إلى العدالة الدولية، بل ترك منصبه دفاعًا عن شرف الوظيفة ومصداقية المنصب عندما نشر تقرير الأمم المتحدة عن أحداث مذبحة قانا على غير إرادة الولايات المتحدة الأمريكية ووزيرة خارجيتها آنذاك مادلين أولبرايت.
ونتذكر أيضًا الدكتور محمد البرادعى – بما له وما عليه – الذى وصل بكفاءته المطلقة إلى منصب مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، التى حازت جائزة نوبل فى عهده، كما نتذكر أيضًا الدكتور إبراهيم حلمى عبدالرحمن أحد مؤسسى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة اليونيدو وأوبك فاند، حيث ترأسها من بعده الاقتصادى النابه والعالم الجليل الدكتور إبراهيم شحاته، ولقد كنت أرى صورهما تزين مدخل المنظمة كلما ذهبت إلى زيارة عمل فى أثناء وجودى مندوبًا مقيمًا لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية وباقى منظمات الأمم المتحدة فى فيينا.
وأتذكر الآن أيضًا أن إسماعيل فهمى الدبلوماسى اللامع قد ترأس اللجنة الأولى فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولا يغيب عن ذاكرتى اسم رائد علوم البيئة دكتور عبدالفتاح القصاص الذى يرجع إليه الفضل فى إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومقره حاليًا فى نيروبى بكينيا، ولا أنسى أن أحد أصدقاء عمرى يشغل منصب رئيس الاتحاد الدولى لكرة اليد على امتداد ربع القرن الأخير منذ أن تسلم المنصب من سلفه وزير خارجية النمسا، وأعنى به الدكتور حسن مصطفى، فمصر بحق دولة منجبة وبلد الكفاءات، ولا ننسى هنا كل أمناء جامعة الدول العربية، باستثناء الشاذلى القليبى التونسى، فهم مصريون جميعًا باستثناء تلك الفترة التى أعقبت مباشرة اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل.
وما أكثر النجاحات التى تحققها الدولة المصرية على الصعيد الإفريقى عندما كان يتولى رئاسة منظمة الوحدة الإفريقية ثم الاتحاد الإفريقى رؤساء مصر السابقون، ونتذكر أيضًا مكانة مصر الإسلامية داخل منظمة التعاون الإسلامى وخارجها، إنها بحق مصر نجيب محفوظ وأحمد زويل ومجدى يعقوب، بلد أم كلثوم وأهرامات الجيزة ومعبدالكرنك، أليست مصر هى أرض الحضارات وحاضنة الديانات وسبيكة الثقافات، إنها الأرض التى خاطب فيها رب الكون موسى الكليم عليه السلام فى طور سيناء، وهى البلد الذى صد الغزو المغولى وقاوم حروب الفرنجة التى جاءت إلى الشرق تحت اسم "الصليب المقدس" بينما كانت هى البداية الحقيقية للاستعمار الغربى فى العوالم العربية والإفريقية والإسلامية، كل هذه المعانى والأفكار تدور فى الأذهان.
ونحن نستعرض ذلك الشريط الطويل المتميز من الكفاءات التى خرجت من الأزهر الشريف والكنيسة الوطنية، لذلك فإن الوليد الجديد الذى يرصع سماوات المجتمع الدولى وأشعل الفرحة فى قلوب الملايين من الأفارقة والعرب والمسلمين، وأعنى به ذلك العالم المتميز الدكتور خالد العنانى الذى أعرفه عن قرب شديد، وأكن له الكثير من الاحترام والتقدير مثلما يفعل معه كل من عرفوه مثقفًا رفيع الشأن وأثريًا من مقام رفيع، وقبل كل هذا وبعده ابن بار لمصر القوة والسياسة العاقلة وصاحبة المبادرات الحكيمة فى كل وقت، فالرموز المصرية فى المنظمات الدولية هى تعبير عن مكانة هذا البلد وقيمته ودوره الحضارى الذى لا يتراجع أبدًا ولا يختفى، فمصر بحق هى شمس لا تغيب!.