حضرموت هدف أم طرف

حضرموت... هدف أم طرف؟

حضرموت... هدف أم طرف؟

 العرب اليوم -

حضرموت هدف أم طرف

بقلم : يوسف الديني

ما يجري في حضرموتَ لا يمكن النَّظرُ إليه كتحركٍ ميدانيٍّ عابرٍ، أو امتدادٍ طبيعي لمظلومية جنوبية مشروعة تراكمت عبر هذه السنوات، فما يحدث أكثر تعقيداً وخطورةً في دلالاته وتوقيته. نحن أمام اختبارٍ ضخمٍ لطريقة إدارة الصّراع في الملفِ اليمني، ولحدودِ ومآلاتِ العبثِ بالجغرافيا الاجتماعيةِ والسياسيةِ في بلد شديدِ الهشاشةِ والتعقيد.

حضرموت، عبر تاريخِها الطَّويل، لم تكن ساحةَ اصطفافٍ حادّ بل مساحة توازن، واستقرار وتماسك مجتمعي من الصعب أن يتمَّ التعاملُ معها باعتبارها جائزةً جيوسياسيةً، أو أداةً لإعادةِ تعريفٍ للجنوب وتحويله مشروع استئثار بمنطق القوةِ وفرض الأمر الواقع.

محاولاتُ فرض السيطرة على حضرموت والمهرة، وإزاحة قوى محليةٍ وبنى اجتماعية راسخة، لا تفتح فصلاً جديداً في الملف اليمني فحسب، بل تغيّر طبيعتَه حيث لم يَعدِ الخلافُ محصوراً بين شرعية وانقلاب، ولا بين وحدة وانفصال، بل يتحول تدريجياً إلى صراع على الجغرافيا نفسها، بوصفها مصدراً للشرعية السياسية بقوة السلاح، وأداةً لاحتكار تمثيل الجنوب وتعريفه.

تأتي هذه التحولات في لحظة شديدة الحساسية. اليمن دولةٌ منهكةٌ، غارقةٌ في أزماتٍ إنسانيةٍ واقتصاديةٍ عميقة. وفي مثل هذه البيئات، لا ينتج توسيعُ دوائر الصراع إلا فرصاً إضافيةً للميليشيات كي تتمدَّدَ وتعيدَ إنتاج نفسِها. رسمُ الخرائطِ بالقوة في واقعٍ هشّ لا يَبني دولةً قابلةً للحياة، بل يراكم أسبابَ حربٍ أهليةٍ أشدَّ قسوة واستدامة.

المظلوميةُ الجنوبية تستند إلى حقائقَ لمسار تاريخي طويل ولا يمكن التقليلُ من شأنها لكنَّها حتماً ليست محصورةً بأقلية سياسية تحاول التَّحكمَ في كلّ الإقليم والتمرد على الشرعية، وتحويل المطالبِ المشروعة إلى مشروع انفصالي بالقوة، وجعلِ حضرموتَ المنطقة الوادعة جائزةً لمغامرة سياسية صِيغت خارجَ سياقِها الاجتماعي والثقافي.

تاريخياً، لم تكن حضرموت امتداداً عضوياً لكل المناطق خارجها، كما لم تنخرط في مشاريعَ آيديولوجية أو عسكرية مؤدلجة، بل ظلَّت كياناً تسود فيه الثقافة المجتمعية وأنتج ذاكرة جمعية ممتدة عبر قرون من التجارة والهجرة والعلاقات المفتوحة على المحيط الإقليمي والعالمي، وهذا المسار الطويل أنتج مجتمعاً شديد الحساسية تجاه العسكرة وتغيير الواقع بقوة السلاح.

المجتمع الحضرمي طوّر عبر السّنين بشكلٍ مدهشٍ شبكةً من الأعراف السياسية والتقاليد المجتمعية المحلية، القائمة على تحييد الجغرافيا «الأرض» عن الصّراعات الكبرى، مع الحفاظ على شبكة علاقات إقليمية تضمن الاستقرار، والأكيد أنَّ أي مشروع يتجاهل هذه البنيةَ المجتمعية والثقافة الراسخة، ويحاول فرض نموذجٍ صدامي لن يكونَ موضع قبول، بل سيراكم حالةً من الرفض القابل للانفجار عند أول انسداد سياسي.

من زاويةِ نظرية الصراع، فإنَّ تحويل الخلافات السياسية إلى مسائل أمنية يؤدي تلقائياً إلى ترجيح كفَّة الطرف الأكثر تنظيماً وتسليحاً، لا الطرف الأكثر تمثيلاً، والاعتقاد بأنَّ الانتصار الميداني المؤقت يمكن تحويله إلى شرعية سياسية مستدامة خطأ استراتيجي، خصوصاً في بيئة مثل حضرموت، حيث لا تُدار السلطةُ عبر السيطرة الأمنية وحدَها، بل عبر شبكة معقدة من القبولِ الاجتماعي والعلاقات الإقليمية المتداخلة.

الموقف السعودي يُدرك هذه الحساسيةَ لحضرموت، وأنَّ تفكيكَ الجغرافيا اليمنية، أو إخراج الجنوب من معادلة التوازن الوطني، سيؤدي حتماً إلى إضعاف الجبهة المناهضة للحوثيين، وتعزيز منطق الميليشيا، وإعادة إنتاج الصراع بأشكال أكثر تعقيداً وشراسةً، لذلك فهي تؤكد على ضرورة الحفاظ على حضرموت مساحةَ توازن بعيدة عن الاستقطاب المؤدلج، وعلى ضرورة الاستماع إلى المطالب والمظالم المشروعة.

الرياض بحكمةٍ تسعى إلى منع الانزلاق إلى حرب جنوبية - جنوبية، وحماية المنشآت النفطية بوصفها مورداً وطنياً لا ورقة صراع، وضبط الإيقاع بما يمنع شرعنة منطق القوة خارج إطار الدولة. هذه ليست سياسة احتواء، بل إدارة من يعرف دهاليز وتفاصيل الحالة اليمنية تهدف إلى تجنيب اليمن إعادة إنتاج نماذج إقليمية من الحرب الأهلية، بناء قوى مسلحة ذات طابع ميليشياوي ضد منطق الدولة سيؤدي عاجلاً أم آجلاً، إلى تفكك السلطة وتدويل الصراع.

إنَّ تحويلَ حضرموت إلى أداة ضغط تفاوضي، أو إلى ورقة تُستخدم لفرض أمر واقع قبل أي تسوية سياسية، يضرب فكرةَ اليمن المستقر من جذورها. التَّجارب المشابهة في النزاعات الأهلية تؤكد على أنَّ الكيانات التي تبني مواقفها على السيطرة، وليس على التوافق محكومة بالاستنزاف، ومعرضة للانقسام الداخلي المستمر. في المقابل فإنَّ الحفاظ على التوازنات المحلية، وربط أي ترتيبات أمنية بإطار وطني جامع، هو المسار الوحيد القابل للاستدامة، ومن هنا لا يمكن التعامل مع حضرموت بوصفها ساحةً لتصفية حسابات أو مادة لتأجيج الشارع واستثمار المظلوميات. ببساطة حل النزاعات المعقّدة لا يكون بقلب الطاولة، بل بالجلوس حولها.

 

arabstoday

GMT 10:52 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تكليفات الرئيس!

GMT 10:27 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوصمة الحضارية

GMT 10:25 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

احتفلوا بقيصر وتنازلوا عن الجولان!

GMT 10:23 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

قوات الاستقرار في غزة

GMT 10:22 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الحالة الكروية

GMT 10:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

صادراتنا الرقمية!

GMT 10:17 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

غزة الشرقية

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

شاطئ الغرام

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حضرموت هدف أم طرف حضرموت هدف أم طرف



أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ العرب اليوم

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

اعتقال غريتا تونبرغ في لندن خلال مظاهرة داعمة للفلسطينيين

GMT 09:21 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

مقتل ثلاثة أشخاص بينهم شرطيان بانفجار في موسكو

GMT 09:10 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

توقف إمدادات الغاز الإيراني عن العراق

GMT 09:19 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جيش الاحتلال الإسرائيلي ينسف المناطق الشرقية وسط غزة

GMT 09:17 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

اقتحامات إسرائيلية بمدن وبلدات في الضفة الغربية

GMT 18:59 2025 الإثنين ,22 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يؤكد أن إسرائيل تعلم أن إيران تجري "تدريبات" مؤخرا

GMT 09:07 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تعلن عن عطل كهربائي قبيل تحطم طائرة تقل عسكريين ليبيين

GMT 17:28 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق لتبادل 2900 أسير بين الحكومة اليمنية والحوثيين

GMT 17:56 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

محمد صلاح يرد بقوة على سلوت بهدف قاتل مع منتخب مصر

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

هجوم مسلح يستهدف حاجزًا أمنيًا في السويداء
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche, Achrafieh Beirut - Lebanon
arabs, Arab, Arab