بقلم : حسن المستكاوي
** جملة قالها السير مجدى يعقوب فى حواره مع النجم محمد صلاح، لاعب كرة القدم الذى تسلق بدوره جبل الإبداع. وكان هذا الحوار عكس اتجاه تيار بعض المثقفين والأدباء، الذين طرحوا كثيرا فكرة المقارنة بين الثقافة والأدب وبين لعبة كرة القدم، وكان جوهر المقارنة ومنصبا على الفارق بين قدم ميسى وعقل جاليليو، أو أرقام كريستيانو رونالدو وفلسفة سقراط. والأديب توفيق الحكيم هو الذى أراد أن ينعى الاهتمام بكرة القدم على حساب الأدب والثقافة وكتب فى الثمانينيات من القرن الماضى: «الكرة الآن فى الأجوال وليست فى الأقلام».
** الحوار بين السير مجدى يعقوب ونجم الكرة المصرية محمد صلاح أراده البعض حوارا بين العالم وعقله، وبين اللاعب وقدمه. لكن فى الحقيقة كان فى أجزاء كثيرة من الحوار عن النجاح، ومنها التواضع، أمام المجتمع، والعمل. وأن النجاح يحركه الشغف، ويتواصل بتسلق جبل الإبداع، فمهما وصلت إلى قمة الجبل، فسوف تجد هناك شيئا جديدا يجب أن تعمله. وكلاهما ــ الطبيب العالم العبقرى واللاعب الموهب المتميز ــ اتفقا على أن الطبيب الجراح تفانى فى خدمة الإنسانية، وأن اللاعب الموهوب قدم نموذجا فى المثابرة والكفاح وصنع به الأمل والقدوة لملايين الأطفال والشباب. وفى تعريفهما للنجاح اتفقا أنه ليس الشهرة، وليس الثروة، وإنما هو شعور يكمن فى القلب بعمل الصواب والتجديد والدقة فى العمل وفى المهنة.
** واجه الدكتور مجدى يعقوب الكثير من العقبات والتحديات فى طريقه نحو خدمة الإنسانية بإجراءات جراحات قلب تنقذ حياة أطفال ومرضى لم يكن عندهم أمل فى استمرار الحياة، ولكنه بأنامل الجراح العالم المبدع منحهم هذا الأمل. وفى المقابل أكد محمد صلاح أن سعادته الحقيقية أنه منح الأطفال والشاب رسالة أمل، بقدرتهم على تحقيق النجاح بالجدية والكفاح والشغف بالمهنة التى يمارسها سواء كان لاعبا أو مهندسا أو طبييا. وقد انتصر الطبيب الجراح مجدى يعقوب على التحديات والعقبات التى قابلها فى طريقة، وهو مؤمن بالرسالة التى يؤديها ويحبها. وتسلح بالثقة فى مواجهة ظل الشك، ولم يهزمه أبدا الشك.
** من قرية نجريج فى الغربية، وما حولها من مروج خضراء فى الريف المصرى، بدأ محمد صلاح فى تسلق جبل الاحتراف فى كرة القدم فى سويسرا وقرر أن يفكر كما يفكرون، وأن يتعلم اللغة، وأن يمتلك عقلية مختلفة، ولم يهزه أو يهزمه صفة أو لقب الفلاح فى بدايات رحلته الصعبة، وإنما أدرك أن الثقافة هى أسلوب حياة، وأن عليه أن يتسلح بالثقافة ويقرأ ويفهم ويتعلم وينحنى أمام النجاح ولا يفقد حلمه أو شغفة بهدف أو بجائزة أو بمال. فهناك الجديد الذى يجب أن يحققه أعلى قمة الجبل. وقد أخذ يقرأ كتب الدكتور مصطفى محمود وإبراهيم الفقى ونجح فى هزيمة اختلاف الثقافات.
** السير مجدى يعقوب قامة فى علمه ومهنته وفى تواضعه وإنسانيته، وفى شغفه الذى لم يفقده يوما. ومحمد صلاح تجاوز الصعاب ومضى وراء حلم لعب كرة القدم وتحقيق أهدافه منها. بالجدية والتدريب والمشقة، والحرمان من مباهج الحياة، وكان وقوده هو الوجوه التى يقابلها من أطفال وكبار التى رسمت عليها ملامح السعادة والحب والفخر والتقدير. وفى البداية كانت كرة القدم فى حياته بمصر جزءا من يومه ثم أدرك أن كرة القدم يجب أن تكون كل يومه فى أوروبا. وهو فارق شاسع بين الهواية وبين الاحتراف.
** فى رحلة السير مجدى يعقوب وهو يتسلق جبل الإبداع، كان مؤمنا بما يريد وبما يفعل، وبما يتمنى. وكذلك محمد صلاح. وهذا الحوار مضى إلى نهايته مؤكدا حقيقة واحدة.. وهى أن فى كرة القدم دراما إنسانية، تماثل دراما الحياة. وأن ذلك من أسرار شعبيتها الهائلة. وأن الموهبة والمهارة والدقة والشغف والابتكار والتجديد فى العمل، هو طريق صعب وشاق يساوى تسلق جبل شاهق. وقد اختصر السير مجدى يعقوب السر بجملته العبقرية: «تسلق جبل الإبداع ».