بقلم : عماد الدين حسين
يخطئ من يتصور أن الحدود الشرقية فقط هى مصدر الخطر الوحيد على الأمن القومى المصرى.
تذكرت هذا الأمر وأنا أشاهد من أرض الواقع تنفيذ المناورة العسكرية «رعد ٣٤» بواسطة إحدى وحدات المنطقة الغربية العسكرية صباح السبت الماضى والتى حضرها فريق أول عبدالمجيد صقر وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة والفريق أحمد فتحى خليفة رئيس الأركان العامة، وبعض كبار قادة القوات المسلحة.
قناعتى هى أن الخطر الوجودى والاستراتيجى وصراعنا مع إسرائيل ـــ طال الزمن أو قصر ـــ هو صراع وجود وليس صراع حدود، ما لم تتغير طبيعة هذا الكيان الاستعمارى العنصرى الاستيطانى.
لكنها- وللموضوعية- لم تعد هى الخطر الوحيد على أمننا القومى المصرى بل والعربى، فنظرة هادئة وسريعة لأوضاع منطقتنا وحدودنا كفيلة بأن تقول لنا إن الأخطار متعددة. بل إن بعض التهديدات الداخلية شديدة الارتباط بقوى وأوضاع وظروف خارجية، وأحيانا تتحرك بإشارات واضحة من الخارج.
وما كنا نظنه حدودا مستقرة، لم تعد كذلك فى كل الاتجاهات الاستراتيجية للأمن القومى المصرى.
ليبيا والسودان دولتان شقيقتان كانتا على الدوام عمقا استراتيجيا لمصر وأمنها القومى، لكن للأسف فإن الصراعات والحروب الأهلية والانقسامات السياسية داخلهما وتحكم دول أجنبية فى مقدراتهما، حولتا البلدين إلى مصدر تهديد خطير للأمن القومى المصرى، بل إن ما يحدث فى السودان يصب مباشرة فى مصلحة إثيوبيا، ويهدد المصالح المصرية العليا خصوصا فى مياه النيل.
الحدود الغربية لم تعد مستقرة منذ عام ٢٠١١ حينما سقط نظام الرئيس الأسبق معمر القذافى.
كان كثيرون يظنون أن سقوط القذافى سيعنى عودة ليبيا إلى الاستقرار بسبب طموحات وأحلام ومشروعات القذافى الخيالية ومزاجه المتقلب. لكن ما فعله حلف الناتو وبعض الدول العربية أنهم دمروا ليبيا وبقايا جيشها ومؤسساتها الوطنية وصارت منقسمة على أسس جهوية وقبلية، والأخطر هو الوجود والنفوذ الأجنبى الذى يحرك الميليشيات المختلفة.
وبعد أن كنا نظن أن الانقسامات فى ليبيا هى الأخطر، اكتشفنا أن الوضع فى السودان صار هو الأسوأ على الإطلاق ليس فقط إقليميا، ولكن على المستوى العالمى. نتائج الحرب السودانية الأهلية منذ ١٥ إبريل ٢٠٢٣ أدت إلى مقتل أكثر من ١٥٠ ألف شخص ونزوح نحو ١٢ مليون سودانى فى داخل البلاد ولجوء نحو مليون خارج البلاد معظمهم فى مصر.
نتائج الحرب الكارثية فى السودان صارت هى الأكثر كلفة فى التاريخ الإنسانى الحديث، وما سمعناه فى الأسابيع الأخيرة خصوصا فى الفاشر وبارا وبقية مناطق دارفور وبعض مناطق كردفان يذكرنا بأسوأ ما اقترفه الإنسان ضد أخيه الإنسان على مر التاريخ فى أكثر أنواع القسوة توحشا.
مصر هى المتأثر الأكثر سلبا بما يحدث فى البلدين الشقيقين.. ولم يستمع كثيرون للتحذيرات المصرية المتكررة من خطورة تفكيك الجيوش الوطنية وإحلال ميليشيات مكانها.
ميليشيا تعنى أنها لا تعتمد على نفسها أو على بلدها ولكن على قوى خارجية تحركها كيفما تشاء. والأهم أنها لا تلتزم بأى أخلاقيات عسكرية خصوصا قواعد الاشتباك وحقوق الإنسان.
تهديدات الأمن القومى المصرى لا تقتصر فقط على ما يحدث من عدوان إسرائيلى على فلسطين المحتلة أو ما يحدث فى السودان وليبيا، ولكن أيضا على التطورات فى البحر الأحمر وتهديدات الملاحة فيه. وبغض النظر عن تفاصيل كثيرة فقد صارت هناك قوى غير عربية تتحكم فى مضيق باب المندب وتوظفه لمصالحها الخاصة، حتى لو كانت ترفع أحيانا شعارات نصرة فلسطين.
وهناك أيضا المحاولات الإثيوبية المستمرة للحصول ليس فقط على منفذ تجارى على البحر الأحمر، بل على قاعدة عسكرية، ومحاولاتها فى الصومال خير دليل على ذلك.
إذن ومن دون مبالغة فهناك حزام نار يحيط مصر من كل جانب، والأخطار كثيرة ومتعددة والمؤامرات والاستهدافات لم تعد خافية على أحد، وما كان يقال سرا صار يتردد علنا. وبالتالى ليس هناك من سبيل إلا أن نكون أقوياء ومستعدين لمجابهة الأخطار فى كل لحظة.