بقلم : طارق الشناوي
فى سنواته الأخيرة، وبسبب تداعيات تردى حالة الكبد، كان عبد الحليم حافظ بين الحين والآخر يفقد أعصابه، أشهرها طبعًا قصيدة (قارئة الفنجان) فى آخر حفل جماهيرى له عام ١٩٧٦، ولكنى سوف أتوقف أمام واحدة أخرى، أغنية (احلف بسماها وبترابها) تأليف عبد الرحمن الأبنودى وتلحين كمال الطويل.
عبد الحليم قرر بعد ٦٧ مباشرة أن يقدمها فى كل حفلاته حتى يتحقق لنا الانتصار، كان قبلها بأسابيع قليلة، وأيضًا بشعر عبد الرحمن الأبنودى وتلحين تلك المرة بليغ حمدى، قدّم (عدى النهار) التى كانت أقرب إلى بكائية عن الهزيمة، وهى أصدق أغنية طبطبت على مشاعر المصريين الحزانى، فجأة استيقظ المصرى ووجد أرضه محتلة، وتبخرت كل الشعارات الزائفة التى كانت تتغنى بالإنجازات وبصواريخ أطلقنا عليها (الظافر) و(القاهر)، مفروض أنها ستضرب تل أبيب فى لحظات، واكتشفنا أنها مجرد اشتغالة.
كان ينبغى أن يقدم عبد الحليم أغنية أخرى بها بارقة أمل، وهكذا جاءت (احلف بسماها). قدّم كمال الطويل بعض مقاطعها على إيقاع المقسوم، ووجدنا فتاة فى الصالة ترقص على الإيقاع، كان المفروض ألا يعير (العندليب) الأمر أى اهتمام، إلا أنه ظل يرقب الفتاة ذات الخمسة عشر عامًا وهى منسجمة، من فرط اندماجها، لم تلحظ غضب حليم، وبسبب هذا الموقف الغاضب من حليم خرج الجميع عن (المود)، بمن فيهم الفرقة الموسيقية والجمهور.
من المخطئ؟ فى الماضى كنت أتصور أنها الفتاة، الزمن علمنى عندما أكتب مقالًا وأجد أن هناك من فسره على غير ما كنت أقصد، أبحث عن خطأ ارتكبته أنا فى تتابع فقرات المقال.
من السهل جدًّا أن أتقمص شخصية الموسيقار الكبير رياض السنباطى، عندما فشلت إحدى قصائده التى غنتها أم كلثوم قال: (نجحت القصيدة وفشل الجمهور).
بينما مثلًا كمال الطويل عندما قدّم قصيدة (بعد عامين التقينا ها هنا) لعبد الحليم، من شعر صلاح عبد الصبور، كان هدف الطويل أن يتم اعتماد صوت عبد الحليم بلحن رصين، إلا أنه اكتشف أنه يخاصم المشاعر، وتعرض الطويل لسخرية المطرب الشعبى الكبير محمد عبد المطلب، الذى قال فى الصحافة ساخرًا من الطويل وحليم: (هذا هو المطرب اللى قال الطويل حيقعدنا فى البيت)، يومها استشعر الطويل الخطأ، وقدم بعدها بأشهر قليلة أغنية (على قد الشوق اللى فى عيونى/ يا جميل سلم) لتحقق لعبد الحليم رواجًا جماهيريًا غير مسبوق، ولا تزال (على قد الشوق) تملك حتى الآن كل الشوق، لكى نستعيدها كلما عنّ لنا ذلك.
ما الذى دفع الفتاة للرقص؟ هل هو خروج عن روح الأغنية؟ الطويل أراد تقديم لحن شعبى راقص، رغم أن اسمه المتداول (نشيد القسم)، انطوى على إحساس مبهج أراده الأبنودى بالكلمة وعبر عنه الطويل بالنغمة.
الفيديو المتداول عبر (السوشيال ميديا) انتشر بعد رحيل الطويل والأبنودى، وأتصور لو أننى سألت الطويل، كان سيتعامل معه ببساطة متناهية، وسيعتبره رد فعل عاديا بل ومنطقى، بينما تجد الآن أن هناك تحليلات أخرى ليس لها علاقة بالحقيقة بقدر ما تعبر عن تحفظ جمهور هذه الأيام. هناك مثلًا من يقول إن عبد الحليم كان يرفض الرقص فى حفلاته، والحقيقة تجدها فى أغنية (الوى الوى) تلحين الموسيقار محمد عبد الوهاب، وكان الجمهور يرقص مع الأغنية وعبد الحليم يصفق، ولدينا عبد الحليم فى فيلم (شارع الحب) وهو يغنى ويصفق مع أغنية (أبوعيون جريئة) تلحين أيضًا كمال الطويل، وشهدت أول ظهور لنجوى فؤاد. لا أتصور سوى أن عبدالحليم لو كان فى ظرف صحى طبيعى سيتعامل ببساطة مع رقص الفتاة على إيقاع (المقسوم)!!.