بقلم: طارق الشناوي
هل تحرك أى مسؤول لتكريم المعلمة الفاضلة التى تصدت للغش فى الامتحان، فكاد أهالى الطلبة الغشاشين على باب المدرسة أن يفتكوا بها، وعايروها بدينها.
الأستاذة تصدت لحالات الغش الجماعى التى صرنا نتعايش معها وفقدنا بعدها الدهشة، نتعامل مع الأمر باعتباره (الشيء لزوم الشىء) طالما هناك امتحان، فإن الغش هو الوجه الآخر لتلك المعادلة، يبدو قطعًا كل من يحاول أن يتصدى للغش، خارج المنظومة التى توافق عليها الجميع، ولهذا يتم توجيه العقوبة له والسخرية حتى من دينه.
كان من الممكن أن يتوقف الأمر عند تلك الحدود فى التفسير والتحليل، إلا أن إشهار سلاح الدين فى الهجوم على الأستاذة التى أدت واجبها بأمانة، يشير إلى تردٍّ فى السلوك العام، هناك ولا شك فى العمق مرض عضال أصاب قسطًا من المصريين يدفعهم لإطالة النظر فى خانة الديانة، حالات الفرز الطائفى هى أكبر خطر يواجهنا، والحل ليس كما يراه البعض إلغاء خانة الديانة من الرقم القومى، الطائفية (تعشعش فى الراس وليس الكراس) إلغاء خانة الديانة من العقل أهم من إلغائها فى الأوراق الرسمية، لأن أسماءنا وبنسبة كبيرة تشير إلى دياناتنا.
توقعت أن يتحرك أكثر من مسؤول لمواجهة تلك الجريمة مثل (المجلس القومى لحقوق الإنسان) و(المجلس الأعلى للمرأة)، بل من حقى أن أحلم أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب (شيخ الجامع الأزهر) الجليل يوجه للأستاذة الفاضلة دعوة لتطييب خاطرها، لتصل الرسالة للجميع أن ما أقدم عليه عدد من أولياء الأمور لا يعبر أبدًا عن تعاليم الإسلام.
المعالجة التى لجأنا إليها هى وضع التراب تحت السجادة، ولن يراه أحد، وتوجيه الدعوة للصلح وسحب البلاغ المقدم من السيدة المعتدى عليها.
هل نلومها لأنها استجابت للضغوط وقررت سحب شكواها؟ أم نتأمل الموقف بكل تداعياته المخجلة لنا جميعًا، أعلم أن التسامح فى الدين المسيحى هو العمق الحقيقى لهذا الدين العظيم، لأنك إذا واجهت العنف بعنف مضاد فلن ينتهى الأمر، لا أحد يدعو لرد الكلمة بكلمة ولا اللكمة بلكمة، ولكن تطبيق القانون على الجميع هو فقط سلاحنا فى مواجهة أى عنف طائفى، الصورة التقليدية التى توارثناها عناق الشيخ بالقسيس، والهلال مع الصليب، لا أتصورها تكفى حاليًا للمواجهة.
يجب أن نعترف أن العلاقة داخل الوطن حدث لها شيء من التصدع، نجدها مثلًا فى حادث الاتهام بالاعتداء على الطفل ياسين، وإصدار حكم سريع بالإدانة، لا يزال فى مراحله الأولى قابلًا للاستئناف والنقض، ردود الفعل التى استندت للدين دفعتنا لرؤية الجريمة من منظار طائفى، رغم أنها حتى لو صحت ليس لها علاقة بالدين، فهى تعبر عن سلوك مريض، يعانى منه البعض، وبالصدفة كان مسلسل (لام شمسية) قد أشار إليه.
لا أرتاح إلى تعبير شركاء الوطن، هذا يعنى أننا لسنا واحدًا ولكن اثنين، شريك وشريك، تمامًا مثل أغنية سيد درويش التى نرددها غير مدركين معناها الذى يؤكد التفرقة (أنا المصرى كريم العنصرين) التى اعتبرناها تدعو للوحدة الوطنية رغم أنها ترسخ حرفيًا للعنصرية، المسلم عنصر والمسيحى عنصر، رغم أن تلك التفرقة لا أساس لها من الصحة (جينيا)، المصرى عنصر واحد.
أتمنى أن قضايانا المصيرية لا نخجل من الاعتراف ومواجهتها، مهما كانت تلك المصارحة مؤلمة فهى طريقنا الوحيد لحماية (المحروسة)، التى كرمها الله فى القرآن والإنجيل.