بقلم:مشاري الذايدي
أمس الاثنين، كان يوماً كبيراً في تاريخ الحرب والسلام في ديارنا التي ينعتها الغرب بالشرق الأوسط، من مجلس الكنيست في تل أبيب الإسرائيلية إلى مقرّ قمّة السلام في شرم الشيخ المصرية.
استهلّ الرجل الذي هو عنوان هذا اليوم، وهو الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، نشاطه في خطبة سيحفظها التاريخُ له، في مقرّ «الكنيست ذاته» كما قال يوماً ما الرئيس المصري العظيم أنور السادات.
في خطبته أمام ممثّلي الشعب الإسرائيلي، وبحضور قادة إسرائيل، أكّد ترمب أن وقف إطلاق النار الذي ساهم في التوصل إليه يمثل «فجراً تاريخياً لشرق أوسط جديد».
وعلى طريقة ترمب الخاصّة في الخطابة، قال: «اليوم سكتت البنادق، ومستقبل الشرق الأوسط سيصبح مشرقاً». وأوضح: «هذه ليست نهاية حرب، بل هذا يوم بزوغ فجر تاريخي لشرق أوسط جديد».
في هذه الكلمة التي هي الرابعة في تاريخ خطب رؤساء أميركا في الكنيست الإسرائيلي، حرص ترمب على الإشارة للدور العربي والإسلامي في صناعة هذه اللحظة، ومن ذلك الضغط على حركة «حماس» للمُضي قُدُماً في هذا المسار الجديد، والمعني بصورة خاصة في التأثير على «حماس»، تركيا وقطر ومصر.
لكن يظلُّ المسار الأبعد مدى والأدوم زمناً من إنهاء الحرب الخبيثة في غزة - على جلالة وعظمة هذا الإنهاء - هو بناء وضع سياسي جديد - قديم، للقضية الفلسطينية، أعني بناء دولة تملك أسباب البقاء للشعب الفلسطيني، أو الموجود منه في جغرافيا حدود عام 1967.
هذا المسارّ الأعمق أثراً هو الذي قادته السعودية وفرنسا عالمياً، وكسبت منه اعتراف جملة كبيرة من الدول في العالم بهذه الدولة، والباقي في الطريق.
العربُ شركاءٌ في هذا السلام، كما وصفهم ترمب في كلمته، وهم أهل الدار، وقال ترمب، قبل ذلك بساعات من خطبة الكنيست إنّه لا يعتقد أن أحداً «يريد أن يخذله». وحتى نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية، الذي قدّم له ترمب دعمه السياسي، سار على خطّة ترمب، رغم «الخلافات التي سُوّيت» ولم يخفها ترمب مع نتنياهو.
ماذا عن «ريفيرا غزة» التي سبق أن تحدّث عنها ترمب؟!
ذكر الرجل في حديث الطائرة أنّه لا يعلم شيئاً عن «ريفييرا غزة»!
حتى نكون واقعيين في فهم الصورة الحالية، فهو أن ما جرى هو إنهاء هذه الحرب «الحالية»، وهذا عملٌ جليل، لكنّه ليس حلّاً نهائياً لأسباب الحروب المتجدّدة، التي تهدأ حيناً لتعود من جديد.
الشفاء التامّ من هذا الداء الوبيل، هو التعافي من أسبابه الجوهرية؛ أي اعتراف متبادل بين فلسطين وإسرائيل، اعتراف حقيقي، له مرجعياته الدولية المعروفة من قبل.
غير ذلك، نخشى من عودة الداء ولو بعد حين...